امتلكت السلطة والممسكون بالقرار السياسي للبلاد كلّ أسباب الخوف من انفجار اجتماعي وسياسي وشيك، على غرار ما حصل في 17 تشرين الأوّل الماضي. ففي الواقع، يمكن القول إنّ كلّ شيء بات مُعَدّاً لهذا الانفجار:
- تآكلت قيمة الأجور إلى أقصى الحدود مع انهيار سعر الصرف، وتتوقّع الدراسات إحالة أكثر من نصف اللبنانيين إلى صفوف العاطلين عن العمل، فيما لا يبدو أنّ هناك نهاية وشيكة لأزمة الودائع في القطاع المصرفي.
- أصبح المشهد على مستوى المعالجات المالية أقرب ما يكون إلى سيرك تكثر فيه الاستعراضات المتفرّقة التي لا يجمعها سياق ولا تحقّق هدفاً. فالسلطة لا تملك تصوّراً لكيفيّة الخروج من النفق.
- أدرك الجميع أنّ رهان السلطة الأخير على صندوق النقد يتعثّر، ويبدو أنّ مسار المفاوضات سيطول كثيراً، ولو تغنّت البيانات الدوريّة لوزارة المال بإيجابيّة الجلسات مع الصندوق.
لذلك، كان من الطبيعي أن تستبق السلطة وداعموها تظاهرة 6 حزيران بخطوات قادرة على إفشال دعوات التظاهرات، والحؤول دون انفجار الشارع مجدّداً في وجهها.
بدأت عمليّة التشويش أوّلاً من خلال ربط دعوات التظاهر بإشكاليّة سلاح حزب الله، رغم أن الغالبيّة الساحقة من دعوات التظاهر المعروفة المصدر لم تلامس موضوع السلاح لا من قريب ولا من بعيد. وكان من الواضح أن المصدر الأساسي للضجيج الذي ربط التظاهرة بالسلاح كهدف أساسيّ أتى من أوساط سياسيّة وإعلاميّة مؤيّدة لحزب الله، بهدف خلق استقطاب حول السلاح يحصّن بيئة الحزب من أيّ تدحرج في الشارع مشابه للحظة 17 تشرين.
في حالة الصحافي إبراهيم الأمين مثلاً، لم يكتفِ الرجل بإطلاق الإلقاب التخوينيّة المعروفة مثل ثوّار السفارة، بل تجاوز ذلك إلى مساءلة من يتقبّل سلاح الحزب من المتظاهرين عن سبب عدم اندفاعه للدفاع عن سلاح الحزب في هذه المرحلة بالذات.
بمعنى آخر، لم يعد المطلوب من هذا السجال تحييد حزب الله أو سلاحه عن التظاهرات، بل صار المطلوب أيضاً الحصول على صك البراءة عبر إشهار المتظاهرين تأييدهم للحزب وسلاحه.
في الواقع، انجرّت قلّة من دعوات التظاهر إلى هذا السجال لاحقاً، فردّت على ذلك عبر التركيز في خطابها وشعاراتها على إشكاليّة السلاح ودوره كهدف أساسي وأوّل، وهو ما خدم الحزب نفسه في سياق الأحداث. فعمليّاً، مثّلت سطوة حزب الله عاملاً أساسياً من عوامل صمود النظام السياسي منذ ثورة تشرين الأوّل الماضي، لكنّ حصر النقاش في مسألة سلاحه في هذه اللحظة بالذات يمثّل عامل قوّة للحزب من خلال جرّ النقاش إلى نقاط قوّته داخل شارعه، وذلك تحديداً ما حاول إعلام الحزب ومؤيّدوه القيام به.
وعلى أي حال، لم يكن الحزب أو حلفاؤه بحاجة إلى هذه الذريعة أساساً، خصوصاً وأنّ تجربة الثورة أثبتت أنّ الحزب سيلجأ بنفسه إلى عامل الاستقطاب الذي يؤمّنه الحديث عن سلاحه كلّما شعر بضغط الاحتجاجات على السلطة التي يرغب ببقائها.
مهّد كلّ ذلك لما حصل لاحقاً يوم 6 حزيران من أحداث مفتعلة: إشكالات على حدود ساحات التظاهرات، ثم اشتباك طائفي على حدود عين الرمانة، تبعه اشتباك طائفي آخر على حدود منطقة طريق الجديدة.
يعتبر البعض أن الدعوات لـ6 حزيران كانت أضعف من أن تثير خشية الحزب أو السلطة من 17 تشرين جديد، وقد يكون أو لا يكون ذلك صحيحاً. لكنّ المؤكّد هو أنّ: ما جرى من أحداث مسرحيّة مخطَّط لها قد ساهم في خلق استقطاب طائفي يفيد في شدّ عصب شرائح اجتماعيّة معيّنة، وهو ما يسمح بشراء بعض الوقت للسلطة المرعوبة من مواجهة نتائج الأزمة المعيشيّة عليها.
في كل الحالات، ما تؤكّده هذه المناورات هو أنّ السلطة ومَن وراءها يدركون جيّداً خطورة عوامل التفجّر وما يمكن أن ينتج عنها من تهديد للموازين السياسيّة في البلاد، وأنّ في ذلك فرصة قد لا تتكرر أمام من يفكّر في بناء بدائل سياسيّة قادرة على التأثير على مجريات الأمور لاحقاً.