قبل أقلّ من شهر على الانتخابات النيابية المُقبلة، من الصعب تقييم أداء المجموعات السياسية أو الأحزاب المعارضة، خصوصاً وأنّ معظم هذه الكيانات حديثة النشأة وتكاد تجربتها لا تتخطى البضعة أشهر أو سنوات. لكن يمكن مقاربة ملف الانتخابات النيابية من وجهة التحديات التي تُواجه هذه المعارضة والصعوبات التي تعترض طريقها.
لقد شكّل مطلب توحّد قوى المعارضة ضمن ائتلاف واسع مطلباً شعبياً، ومن أجله عُقدت مؤتمرات ونقاشات وحوارات. لكن، في الواقع، قد يساعد تشكيل أكثر من لائحة للمعارضةَ على الوصول الى المجلس النيابي نظراً لطبيعة القانون الانتخابي. وهذا ما أدركته قوى السلطة. فقد دفع القانون الأحباشَ إلى تشكيل لائحة مستقلة بعيداً عن حزب الله وحركة أمل في دائرة بيروت الثانية، وكذلك فعل حزب الطاشناق الذي تحالف مع التيار الوطني الحر في بيروت ويواجهه في المتن.
تكمن التحدّيات أمام المعارضة في ثلاث مسائل أساسيّة تتعدّى تشكيل اللوائح:
التصحّر السياسي
تعمل المعارضة في بيئة مجتمعية مغلقة إلى حدّ بعيد، ويزيد هذا الخناق في مناطق نفوذ الثنائي الشيعي حيث تتّسم بـ «التصحّر السياسي»، أي أن هذه الساحة لا تفتقر فقط إلى غياب التعدّد والتنوّع، بل تفتقر أيضاً إلى حدّ أدنى من الوجود المعارض، باستثناء بعض الأحزاب اليسارية التي باتت متهالكة ومنقسمة على نفسها، وهذا ما يجعل إمكانية خلق بديل للسلطة القائمة أصعب بأشواط.
فالتعدّد الشكليّ الموجود في الساحات الأخرى من شأنه أن يخلق مساحة، ولو صغيرة، من الحرية للأطراف المُستقلة التي تسعى الى طرح مشروعها أو برنامجها. وهذا تحديداً ما تمكّنت ثورة 17 تشرين من تغييره، بمعنى إيجاد حراك اجتماعي قادر على خلق مساحة جديدة.
دوافع الناخبين
في دولة تحرم المواطنين من الحقوق البديهية والأساسية، تُصبح دوافع الناخبين مرتبطةً، إلى حدّ بعيد، باعتباراتٍ طائفية وزبائنية ومناطقية، وتبتعد عن الاقتراع وفقاً للبرنامج السياسي أو الاقتصادي للمرشّحين.
هذه المعادلة من شأنها أن تضع قوى المعارضة بين خيارَيْن: إمّا التمسّك بضرورة تقديم نموذج جديد في تعريف السياسة، وإمّا مجاراة أحزاب السلطة في هذا النوع من الممارسات، ممّا سيُفقِدها صدقيَّتها وسيجعلها كذاك الذي يُطلق الرصاص على نفسه.
تأثير الأزمة الاقتصاديّة
ساهمت الأزمة الاقتصادية بضرب الطبقة الوسطى التي عادةً ما تكون مُحرّكاً للتغيير. وقد باتت معظم اهتمامات هذه الطبقة تتركّز على تأمين حاجاتها اليومية بعيداً عن الاهتمام بالشأن العام، وهذا ما يُفسّر بجانب منه تراجع التحرّكات المطلبيّة مع ازدياد حدّة الأزمة الاقتصادية.
تُحاول السلطة استخدام سلاح «التيئيس» بغية ضرب القوى المعترضة، ليس فقط في هذه الانتخابات، وإنما من خلال وقف المسار التراكمي للمجموعات والأحزاب الناشئة. ذلك أن هذا المسار الذي بدأ عام 2011 مروراً بعام 2015 وصولاً إلى اليوم، سيُشكّل تهديداً جدياً لوجود السلطة إذا ما تمكّن من تأطير نفسه وتنظيم كوادره ومواجهة التحدّيات التي تواجهه بدءاً من هذه الانتخابات.