صعّبها الرئيس علينا. قدّم لنا خطاباً من المستحيل التعليق أو الردّ عليه. خطاب خالٍ من أي فكرة أو إشارة أو حتى إحساس. خطاب اضطرّ إليه في وجه هذا المشهد الذي ما كان يجب أن يحصل.
لمدّة عشر دقائق، كان هناك رجل وحيد، في مكتب خالٍ، في قصر معزول، يحاول بصعوبة قول شيء ما، لا يبدو هو نفسه مقتنعاً به.
بدا الجنرال تائهاً في خطابه، يتخيّل نفسه يحارب فساداً من قصره، انطلاقاً من إفطار أقامه السنة الماضية، مدعوماً من شعب حيّ يتكلّم معه من القلب إلى القلب. ولكن في وجه هذا المشهد الذي ما كان يجب أن يحصل، بدا الجنرال وحيدًا ومنسيًّا في القصر، مهما تمّ تقطيعه وإعادة تركيبه.
لم يقدّم عون أيّ شيء جديد في وجه هذا المشهد الذي ما كان يجب أن يحصل. تمسّك بورقة الإصلاحات، وعرض إمكانية تعديل وزاري، وحمّل مجلس النواب مسؤولية فشل مسيرته الإصلاحية، وكرر متاهاته المعتادة عن استعادة الأموال المنهوبة ومكافحة الفساد. ونزولاً أمام رغبة الجماهير، عرض على المتظاهرين مشاركته هواجسهم. فهُم مدعوّون إلى القصر لمناقشة الأمور مع فخامته، والاستماع إلى مخاوفه عن الانهيار. فهو بانتظارنا، هو بيّ الكل. القصّة سهلة. وزير أو وزيران، قانون أو قانونان، وزيارةٌ حول فنجان قهوة الى بعبدا، وننتهي من هذا المشهد الذي ما كان يجب أن يحصل. يمكن للرئيس أن يعود ويستكمل قيلولته.
بات لهذا النظام بهلوانٌ كرئيس حكومة، وكائنٌ مركّب كرئيس جمهورية، والإثنان يحاولان الاختباء وراء ورقة إصلاح طُبِخت في أقلّ من 48 ساعة. فهِم الرئيسان، بطرق مختلفة، أنّهما فقدا ثقة الناس ولكنّهما مستمرّان في وجه هذا المشهد الذي ما كان يجب أن يحصل. هما لم يفهما ذلك وحسب، بل فهما أيضاً أنّهما فقدا أيّ دور في السياسية، وتحوّلا إلى مضيعة للوقت يستعملها النظام بين حفلة قمع وأخرى. فبعد خطاب الحريري، انكبّ الجيش على المتظاهرين. وبعد خطاب عون، انهالت ميليشيا حزب الله عليهم.
بات عون والحريري كومبارس هذا النظام، يقدّمان حفلة العنف القادمة. بات عون والحريري كومبارس في مشهد ما كان يجب ان يحصل. كانا موعودَيْن بهتافات فرح من الجماهير، لكنّهما وُوجِها بثورة، رغم وعود الحاكم الفعليّ للنظام.
في المشهد الجديد، الرئيسان خارج الصورة. فالصورة للجيش الذي حاول قمع التظاهر، والصورة للهجوم المستمرّ لميليشيا أمل وحزب الله من خلال سراياهم وقمصانهم السود. الصورة اليوم في الشارع، بعيداً من خطابات الرؤساء.
قبل أسبوع، سقط الحريري. اليوم سقط عون. واكتشف نصر الله أنّه وحده في الساحة في وجه هذا المشهد الذي ما كان يجب أن يحصل.
ولكنّ المشهد حصل...