في الآونة الأخيرة، تمّ تداول فيديوهَيْن على شبكات التواصل الاجتماعي يلخّصان منطق هذه السلطة وأزلامها أو استزلامها. الفيديوهان هما عبارة عن مُنتَجَيْن موسيقيَّيْن أُعِدّ كلٌّ منهما لأحد أحزاب السلطة الحاكمة التي تطلب منّا إعطاءها فرصة للقيام بالإصلاح وبناء الدولة الفاضلة ومواجهة التحدّيات.
الفيديو الأوّل لحركة أمل، وهو بعنوان «شيعة شيعة، حركة أمل ما منبيعا»، والثاني للتيّار الوطني الحرّ بعنوان «هيدا النمر زياد_أسود يا ناااااااس». أغنية هيب هوب من هنا، ودبكة من هناك. لكن، رغم الاختلاف في النوع الموسيقيّ والكلمات، تتشابه الأغنيتان في العمق.
فالمغزى منهما هو التأكيد على «أنّنا» أقوياء. نحن زعران عند الحاجة ونكسر رأس كلّ مَن يتوجّه لنا بانتقاد أو اتّهام، أو تسوّل له نفسه أن ينكّد على زلمة زعيمنا عشاءه الفاخر. نحن نلعق حذاء من يلعق حذاء الزعيم، آملين بلعق حذاء الزعيم شخصياً. نحن مسلّحون وسنقتلكم إن أردنا، نحن نعبد الرجل الذي يسرقنا ويرمي لنا الفتات. نحن نفدي بدمنا مَن يذلّ شعبنا وعائلاتنا، نحن نشمت بالفقراء الذين لا يعبدون زعيمنا أو يتجرأون على ملكوته وثروته المنهوبة. نحن الأقوياء ولا يهمّنا شيء.
شيعة شيعة حركة أمل ما منبيعها وإنتو كلكن شبيحة
عن أمل تخلّيت يعني بعت ديني
برّي عقلي وبرّي فكري وبرّي بفكري ويقيني
سلاحي على خصري زينة
تتتالى في الفيديو الكلمات المتفاخرة بالتشبيح وكيف أنّ الآخرين هم فِعلاً كلّهم شبيحة، بينما نرى صور ميليشيات حركة أمل المسلّحة. أما الفيديو الثاني، فمن حفلة عشاء مع فرقة موسيقية.
راح يتعشى بأنطلياس
ياكل لقمة أرغيلة وكاس
ما عرفوا حالهن مع مين غلطوا
ولك هيدا النمر زياد أسود يا ناس!
وين ل يتحدّى وينه وين اللي ناوي يقاتل
يغنّي المطرب فيما يرقص الحضور رافعين شارة التيار الوطني الحر فخورين بالانتصار الكبير الذي تحقّق خلال واقعة انطلياس. نؤلف أغنيات وملاحم عن واقعة «العرق والأركيلة» ليذكرها التاريخ بعد آلاف السنين، أو عن غزوة الرينغ حيث سطّرنا بطولات أسطورية ضد شباب ونساء طالبوا بحقوقنا وحقوقهم.
هو خطاب فارغ إلا من العنتريات الذكورية ومن التناقضات لجماعة تريد لنفسها أن تكون القامع والجبار والقوي، ولكن أيضا الضحية والبريء والمقموع.
الأغنيتان حزينتان فعلاً، والمحزن أكثر هو مشهد مجموعات تبحث عن عدوّ وعن بطولات وهميّة فلا تجدها إلا دفاعًا عن زعماء فاسدين بوجه شعب أعزل لا تهمّه بطولاتهم.
نحن حديثون و«كُول» ويمكننا تأليف أكثر من ثلاث جمل عن نفسنا. يتضمّن معجمنا اسم طائفتنا ومناطقنا واسم الزعيم، ونضيف من حول هذه المصطلحات ثلاث كلمات أو أربعاً لنصنع أغنية نتغنى فيها بطائفيتنا ومناطقيتنا ولعْقنا لحذاء الزعيم الذي يبقينا وأُسَرنا قابعين سعداء في حياة الذلّ والعوز، ولكنّه يسمح لنا بممارسة تسلّطنا الذكوري بين الحين والحين فنشعر بنشوة القوّة أحيانًا آملين بأن نحوز رضا الزعيم.