قضية الأسبوع انتخابات
ميغافون ㅤ

أزعور - فرنجيّة: استحقاقُهم وأزمتُنا

3 حزيران 2023

في الظاهر هناك مرشّحان رئاسيّان: جهاد أزعور وسليمان فرنجية.
في الواقع، هناك مرشّح واحد: التمديد للمنظومة السياسية وللنظام الاقتصاديّ.
لا ثورة 17 تشرين، ولا انفجار المرفأ، ولا الانهيار الاقتصادي، ولا الانتخابات النيابيّة، ولا حتّى تفتّت المجتمع، ارتقت لتغيّر هذا النظام.
في الظاهر، هناك مرشّحان يتنافسان. أمّا في الواقع، فقد نجح النظام في إعادة إنتاج نفسه، على الأقلّ رئاسيًا.


ليس ترشيح سليمان فرنجيّة إلا قمّة جبل الجليد في مسار طويل من الدفاع المستميت عن النظام من قِبل ثنائيّ حزب الله وحركة أمل، الطرفين الأقوى في النظام حالياً. 

افتتح المسار حسن نصرالله عبر دعوة أبناء طائفته للخروج من ساحات 17 تشرين، واستكمله عبر اقتراح إجراءات عبثيّة لمواجهة الانهيار الاقتصادي ولتحييد المصارف، وصولاً إلى تغطية إبقاء رياض سلامة في منصبه. أمّا الطرف الآخر من «الثنائي»، فلم يوفّر جهداً لتدمير أيّ إجراء أو خطّة اقتصاديّة بديلة، دفاعاً عن مصالح المصارف وكبار المودعين. 

سليمان فرنجيّة ليس إلا العنوان المارونيّ لهذه السياسات. وهو، كما يقال بالإنكليزية، تيكس آل ذا بوكسس: الفساد، حماية المرتكبين، قلّة الكفاءة، الاستخفاف بالتحقيقات في جريمة انفجار المرفأ، الصداقة والولاء للسفّاحين في المنطقة. وهو فوق ذلك، امتلك بعفويّته صراحة الاعتراف بأنّ لا خطّة لديه للتعامل مع الانهيار، فما يهمّه من الاقتصاد ليس إلا ما تعوّد عليه الزعماء اللبنانيون- الزبائنية ولحس الأصابع. في الواقع، لا خطّة لدى سليمان فرنجيّة لأيّ شأن من شؤون الناس إلا سليمان فرنجيّة نفسه وحلمه بأن يصبح رئيساً للجمهوريّة. 


لكن إذا كان سليمان فرنجية هو مرشّح النظام المأزوم، فإنّ جهاد أزعور هو مرشّح المعارضة الرسميّة المأزومة، والتي لم تتمكّن من تقديم مرشّح من صُلبها، بل استدعت تكنوقراطياً من الخارج رغم التجربة المريرة مع التكنوقراط في السنوات الأخيرة، ورغم عدم التوافق مع هذا المرشّح التكنوقراط على خطّة للتعامل مع الانهيار الاقتصادي. 

ما تعرفه «المعارضة الرسميّة» عن أزعور أمران: 

أوّلاً، هو وزير سابق ينتمي للنواة الصلبة للفريق الاقتصادي الذي خطّط ونفّذ السياسات التي أدّت إلى الانهيار الاقتصادي الحالي. وهذا ما يُحسَب له لدى هذه «المعارضة»، ما دام معظمها يجاهر بأنّ لا نيّة لتغيير النهج الاقتصادي الذي كان قائماً قبل الانهيار، بل جلّ ما تطمح إليه هو إعادة إنتاج النهج نفسه.  

ثانياً، يشغل أزعور حالياً منصب مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي. والأرجح أنّ «المعارضة الرسمية» التي تؤيّد الاتفاق مع صندوق النقد لكنّها لا تؤيّد كلّ شروطه، لا تريد من أزعور تسريع الاتفاق مع صندوق النقد بقدر ما تطمح لأن يستخدم أزعور علاقاته لإقناع الصندوق بـ«خصوصيّةٍ» ما للوضع اللبناني حتّى يتنازل الصندوق عن بعض شروطه، لا سيّما لجهة تسهيل استخدام أصول الدولة لسداد بعض أموال المودعين أو لجهة إعفاء المصارف من بعض مسؤوليّاتها.

ستبيع «المعارضة» جمهورها مرشّحاً لا ينتمي للممانعة، لكنّه ينتمي إلى نوع من التكنوقراط ليس مقنعاً حتّى لـ«المعارضة» نفسها، خصوصاً وأنّ أزعور هو مرشّح تسوية بين هذه المعارضة والتيار الوطني الحر، ما يجعل منه أسير تسوياتٍ لا تسمح بسياسات متجانسة.  


يتواجه إذاً مرشّح من صلب النظام مع مرشّح من طرف النظام. 

ليس هذا التقييم إعادة تدوير لشعار «كلن يعني كلن» الذي- وإن كان مفيدًا في لحظة ما- تحوّل مع الوقت إلى عنوان لهجرة فئات كبيرة من المجتمع عن السياسة. فصحيح أنّ الاستحقاق الرئاسي لا يحمل أفقًا تغييرياً، لكنّ هذا لا يعني أنّ ما من معانٍ سياسيّة للصراع بين أركان السلطة، مع ما يحمله ذلك من تعدّد تلاوين النظام ما بعد الرئاسي. 

أوّلاً، الدور المسيحيّ:

يشير ترشيح أزعور إلى تحوّل على الساحة المسيحية، قد يتجاوز مرحلة الاستحقاق الرئاسي. بدأت القصّة بالمرارة التي شعر بها جبران باسيل حين لم يقاتل حزب الله من أجل فرضه رئيساً، لا بل تبنّى ترشيح خصمه سليمان فرنجيّة، رغم اعتبار باسيل أنّه دفع أثماناً كبرى لتحالفه مع حزب الله. لكنّ المسألة تتجاوز المرارة الشخصيّة لتطال دور القوى المسيحية في الاستحقاق الرئاسي. فحزب الله، ومعه برّي، يتصرّف منذ نهاية عهد ميشال عون وكأنّ موقع الرئاسة بات من حصّته، وإن كان إسميًّا في يد الموارنة. ليس تفصيلاً في هذا السياق أن تتمكّن معظم القوى المسيحيّة المتناقضة من التلاقي على مرشّح واحد تواجه به المرشّح الذي يحاول فرضه «الثنائي الشيعي».

ثانياً، التغيّرات الإقليميّة:

ثمّة تهيُّب لدى القوى السياسيّة كافةً من الانقلابات الإقليميّة الجارية، لا سيّما التقارب السعودي-الإيراني والمصالحة السعودية-السورية وتأثيرهما على الاستحقاق الرئاسي اللبناني. يبدو ترشيح أزعور في وجه فرنجيّة أشبه بحجز بطاقة حضور ريثما تتّضح الرؤية ويعيد التموضع. وهو أيضاً ورقة ضغط على فرنسا التي استعجلت الخضوع لإرادة حزب الله عبر محاولة تسويق فرنجيّة الذي بعثت وراءه إلى باريس لتجري له امتحاناً تناول على الأرجح مدى استعداده لتسهيل استحواذها على المرافق الاقتصادية اللبنانية. 


قد لا يحمل هذا الاستحقاق الرئاسي أيّ بعد تغييري، مهما كان طفيفًا. وبالتالي، لا تشكّل الصراعات الطوائفيّة، وتقاطعها مع التغيّرات الإقليميّة، ملعباً للمناخ التغييري المتبقّي في البلد. لا بل ينبغي الاعتراف أنّ الانتخابات الرئاسيّة نفسها ليست أساساً ملعباً للصراع من أجل التغيير، وهي تخاض عادة على ملعب إقليمي بعيد المنوال. 

لكن بوجود كتلة داخل البرلمان من النوّاب «التغييريّين» للمرّة الأولى، وعدد لا يستهان به من النوّاب المستقلّين، كان يمكن القيام بأفضل ممّا آلت إليه الأمور، أو على الأقلّ، التفكير بالدور المفترض للكتل المستقلّة في مواجهة استحقاقات كهذه. فبدلاً من تلهّي «التغييريّين» بأسماء، مهما كانت ناصعة، لا يمكنها أن تحظى بأصوات تتعدّى أصواتهم داخل المجلس النيابي، كان الأجدى المبادرة لطرح أسماء مقبولة تلبّي الحدّ الأدنى من الطموحات، ومحاولة تسويقها لدى سائر الكتل أو طرحها كمنافس جدّي خلال دورات الاقتراع المتتالية. أو على الأقلّ، البحث بطريقة لتحويل هذا الاستحقاق إلى مناسبة لاشتباك سياسي أوسع. 

كان ذلك ليوفّر على الجميع التعاطي مع ثنائيّة أزعور- فرنجية، والعودة معها إلى مسألة إمّا القبول بمرشح النظام المأزوم أو الخضوع لابتزاز المعارضة المأزومة، وهو خيار لطالما أنهك المعارضات بالماضي. 

أمّا وقد حصل ما حصل، فلنربط الأحزمة، ولنتابع العرض.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
3,754 شهيداً، 15,626 مصاباًمنذ بداية العدوان الإسرائيلي على لبنان 
المصوّرة نان غولدين في برلين: عار عليكِ يا ألمانيا
من النبطية إلى صيدا: لدينا فرعٌ آخر
24-11-2024
تقرير
من النبطية إلى صيدا: لدينا فرعٌ آخر
صواريخ حزب الله تُصيب مصنعاً في الجليل