أول إدانة لرئيس سابق، وربّما مقبل
أصدرت هيئة المحلّفين حكمًا قضائيًا في حق الرئيس السابق دونالد ترامب يدينه بـ34 تهمة في قضية تزوير سجلات محاسبية للتغطية على تسديد مبلغ لإسكات ممثلة أفلام إباحية. ليس واضحًا كيف ستؤثر هذه الإدانة على حظوظ ترامب الرئاسية. فقد برهن الرئيس السابق على قدرة فظيعة على التكيّف والاستمرار رغم تورّطه بعدد من الفضائح، لكي يعود بعد 4 سنوات على خسارته ليحسم الترشيح الجمهوري لصالحه.
قد تشكّل إدانة ترامب دفعًا لحملة الرئيس الحالي. لكنّ الديموقراطيين تعلّموا أن إدانات وفضائح كهذه لا تؤثّر على خصمهم وجمهوره. تحوّل ترامب من «حلم الليبراليين»، أي هذا الخصم الذي يشكّل أوضح وأسوأ ما عند خصومهم تقديمه، إلى «كابوسهم»، أي هذا الخصم الذي لا يبدو أنّ هناك ما سيوقفه. فهو الرئيس الفاقد لأي خبرة، يتخبط في كل خطاباته، متّهم بتزوير مستندات وعرقلة القضاء، تحوم من حوله تهَم التحرّش، فاضح في عنصريته، شارك في ما يشبه الانقلاب، أضحوكة على الصعيد العالمي، خطر أمني على بلاده. لكن بدل أنّ تشكّل كل هذه الاتّهامات نهايته، حوّلته إلى المرشّح الذي لا يمكن فضحه أو النيل منه، وربّما إلى الرئيس القادم. وهذا بحدّ ذاته اتّهام كافٍ للنظام الانتخابي الأميركي.
آخر خطوات الابتزاز الليبرالي
لكنّ لترامب فائدة أساسية للمعسكر الديموقراطي، وإن كانت هذه الفائدة تتهاوى مع الوقت. فهو الشرط الأساسي لـ«لعبة الابتزاز» التي شكّلت الرافعة الانتخابية الأساسية لليبرالية الغربية. ففي وجه خصم كترامب والخطورة الذي يشكّلها على شتّى الأصعدة، لا يمكن إلّا التصويت للديمقراطيين، مهما كان مرشحوهم سيّئين أو سياساتهم خطرة أو مصالحهم مفضوحة. هذا الخيار الأقرب إلى الابتزاز قد يلخّص مقاربة الديموقراطيين للانتخابات المقبلة. فالدفاع عن «الوسط» في وجه التطرف واجب، حتى ولو كان هذا «الوسط» خطيرًا. وربّما كان النظام الفرنسي هو من أبدع بهذه المعادلة، مع تحويل اليمين المتطرّف إلى رافعة لأي مرشح رئاسي يصل إلى الدور الثاني.
لكنّ هذا الابتزاز بات يصل إلى نهايته. فمن جهة، أصبح تورّط هذا «الوسط» بأزمات النظام أوضح، لكي يبدو كالمشكلة التي يدّعي حلّها. ومن جهة أخرى، وربّما هذا هو الأهمّ، لم ينجح هذا «الوسط» في شقّه من صفقة الابتزاز، أي إيقاف صعود اليمين المتطرف. ففي معظم الدول الغربية، يبدو صعود هذا اليمين من الثوابت، حيث مال الخطاب السياسي نحو التطرّف، رغم وعود «الوسط». لكنّ الأخطر من ذلك، أن ثمن هذا «الابتزاز» كان انحياز هذا «الوسط» نفسه نحو طروحات اليمين المتطرف، ليصبح الفارق بينهما أصغر مع كل دورة انتخابية.
الإبادة مقابل ترامب
قد يبدو هذا الخيار المستحيل اليوم، أو الابتزاز، أوضح في حالة الجاليات العربية المطلوب منها التصويت لهذا «الوسط» لمنع صعود اليمين المتطرف وسياساته العنصرية. فالمطلوب من هذا التصويت العربي أن يتغاضى عن دعم هذا «الوسط» للإبادة وقمعه لأي دعم لفلسطين في الغرب، لكي يساهم بمنع صعود التطرف اليميني. ربّما قد يكون هذا ضرورياً، ولكن حتى الآن، يبدو التصويت العربي، على الأقلّ في ما يخصّ الانتخابات الأميركية، يريد معاقبة بايدن على موقفه من الإبادة. فانخفض دعم بايدن عند العرب الأميركيين من 60 إلى 20 بالمئة جراء موقفه من الإبادة في غزّة.
ستبدأ عملية ابتزاز في وجه هذه الجاليات لدفعها للقبول ببايدن. قد تنجح عملية الابتزاز هذه، لكنّ هناك مجموعة أخرى، بدأت أيضًا ترفض هذا الابتزاز، ومن الصعب الضغط عليها. وهي فئة الناخبين الشباب، والذي بدأ خروجهم عن هذا الابتزاز يتّضح مع مخيمات الجامعات دعمًا لغزة. فبالنسبة لجيلٍ بات أفق حياته محكوماً بكارثة بيئية، وحظوظه المهنية تنعدم أمام تفاقم الأزمات، وها هو ينظر إلى عجوزين يتنافسان على رئاسة بلاده ولا يتّفقان إلّا على إبادة شعب، بدأ خيار الخروج من هذا الابتزاز يبدو وكأنّه الأقلّ ضررًا.
انتخابات تلو الأخرى، تتحوّل الانتخابات إلى استفتاء على النظام أكثر ممّا هي منافسة بين خيارين. ورغم ابتزاز «الوسط» وسخطه من خروج فئات متكاثرة من هذه اللعبة، فليس هناك من يلومه إلّا ذاته.