قد لا يهتم القارئ بالمواد القانونية التي تضع سقفاً للإنفاق الانتخابي للمرشحين، ولا تغريه مخالفة أي من الأحزاب لمواد قانون الانتخابات، ذلك أن كمية الرشى والفضائح الانتخابية تحوّل تصرفات كهذه إلى حالة طبيعية. فاعتاد مرشّحو السلطة على خرق سقف الإنفاق الانتخابي المُحدد للمرشح الواحد بـ750 مليون ليرة، ليصبح القانون مجرّد وجهة نظر.
أحزاب السلطة والرشى الانتخابيّة
تتعاطى أحزاب السلطة مع التمويل الانتخابي كاستكمال لطبيعتها الزبائنية.
تعتمد الأحزاب والقوى السياسي على الإنفاق الانتخابي بوصفه ركناً أساسياً في معركتها الانتخابية. وغالباً ما يأتي هذا التمويل من مصدرين أساسيين، الأول عبر رجال الأعمال المحيطين بالأحزاب والمستفيدين من خيرات مشاريع السلطة، والثاني هو التمويل الخارجي المبني على الولاء السياسي. هكذا يصبح الحديث عن توزيع المازوت الإيراني قبل الانتخابات أمراً عادياً، ويصبح توزيع المساعدات والحصص الغذائية الذي تتباهى بها معظم الأحزاب أمراً مقبولاً، كما يصبح الـ«fundraising» الدولي أمراً مشروعاً في الحياة السياسية اللبنانية.
فالمال الانتخابي أصبح جزءاً من شبكة العلاقات المجتمعية التي تربط المواطنين بالزعماء. ومع الانهيار المالي والاقتصادي، ازدادت أهمية تلك التقديمات. وليس صدفةً أن يترافق ذلك مع ازدياد حماوة المعركة الانتخابية عن العام 2018. ولا يقتصر المال الانتخابي على الرشى أو التقديمات، فهو جزء لا يتجزأ من العملية الانتخابية، من دفع للمندوبين مروراً بتأمين وسائل النقل ووصولاً إلى دفع مبالغ مادية في بعض المناطق.
فالتمويل الانتخابي بات صلة الوصل بين النظام الزبائني والمواسم الانتخابية، حيث تجعل من الزعماء وسطاء بين المواطنين والدولة، نفس الوسطاء المرشحين إلى الانتخابات.
المعارضة والتمويل الانتخابي
على الجانب الآخر، أي المعارضة، ظهرت المنصّات الانتخابية التي هدفت إلى تقديم الدعم المالي لقوى المعارضة. لكن رغم رواية تلقي الدعم الخارجي التي تروج لها أحزاب السلطة، لم يتعدَّ تمويل المنصات إعطاء مساحة إعلامية لبعض المرشحين وتقديم دعم لوجستي محدود جداً. وهذا ما أدى الى اعتماد المعارضين على موارد شخصية ومحدودة بغية خوض المعركة الانتخابية. ويشكّل ذلك بدوره نقطة ضعف لا بد من اعادة تقييمها في أي استحقاق انتخابي قادم، إذ أن مواجهة السلطة دون أدنى المقومات التي تحتاجها العملية الانتخابية هو أقرب إلى اللامواجهة.
يبقى أن غياب الضوابط التي تُؤمّن العدالة وتكافؤ الفرص بين المرشحين يُحوّل العملية الانتخابية إلى مسرحية هزلية. ولعلّ الإنفاق الانتخابي يُشكّل إحدى النقاط الأساسية التي ينبغي تحقيق المساواة فيها من أجل ضمان حُسن سير العملية الانتخابية وإلا يصبح التشكيك في نتائج الانتخابات أمراً مشروعاً.