تعليق تمويل / دعاية / رشوة
علي نور الدين

المتموّل حين يكون الخصم والحَكَم

10 أيار 2022

لا يحتاج المرء إلى كثير من الوقت ليفهم حساسيّة الاستحقاق الانتخابي في هذه المرحلة، على أعتاب شروع المجلس النيابي بمناقشة رزمة من القوانين التي ستمثّل الترجمة التشريعيّة لخطّة التعافي المالي التي تفاهمت عليها الحكومة الحاليّة مع صندوق النقد.  يُفترض بهذا المجلس، وخلال مدّة لا تتجاوز الأشهر المعدودة، أن يشرع بمناقشة هذه البنود التي مثّلت أبرز شروط التفاهم المبدئي مع صندوق النقد:

  • تعديل قانون السريّة المصرفيّة، بما يفتح سجلّات المصارف لغايات مكافحة التهرّب الضريبي وتتبّع أموال الإثراء غير المشروع والجرائم الماليّة. وهذا التعديل، بالتحديد، الذي أرسلته الحكومة أساسًا كمشروع قانون للمجلس، سيعني المسّ بمصالح كبيرة تخصّ كبار النافذين في النظام الاقتصادي اللبناني.
  • إقرار قانون طوارئ لإعادة هيكلة النظام المصرفي، وهو القانون الذي يهابه في الوقت الحالي أصحاب المصارف، لعلمهم أنّ أيّ إعادة هيكلة قسريّة، وبموجب قوانين واضحة، ستعني البدء بشطب الرساميل للتعامل مع الخسائر القائمة. 
  • التعديلات القانونيّة التي ستعيد هيكلة المصرف المركزي، بحسب مندرجات خطة التعافي، بما يضاعف من القيود الرقابيّة على حاكميّة مصرف لبنان، ويفصل عنها إدارة هيئة التحقيق الخاصّة وصلاحيّات مكافحة تبييض الأموال. وهذه التعديلات، خصوصًا في ما يتعلّق باستقلاليّة هيئة التحقيق الخاصّة، ستمسّ بكتلة ضخمة من المصالح المشبوهة التي استفادت من قدرة حاكم مصرف لبنان على ضبط ولجم هذه الهيئة المخوّلة مراقبة العمليّات الماليّة غير المشروعة. 
  • البتّ بالتشريعات المطلوبة لتأسيس وحدات خاصّة بمكافحة التهرّب الضريبي وملاحقة كبار المكلّفين، واستعادة المتأخرات الضريبيّة غير المسدّدة. هذه التشريعات من شأنها وضع كبار الشركات والمتموّلين تحت المجهر، خصوصًا إذا ما استفادت هذه الوحدات من التعديلات المفترض إدخالها على قانون السريّة المصرفيّة. 

كل ما سبق ليس سوى عيّنة من لائحة الشروط الطويلة المرتبطة بالتفاهم مع صندوق النقد، والتي ستكون مدار بحث داخل البرلمان بعد الانتخابات مباشرةً. وكما هو واضح، من البديهي أن تثير هذه البنود بالتحديد، والتي تحتاج جميعها إلى تشريعات مفصّلة، استقطاباً برلمانياً على أساس المصالح التي يعبّر عنها نوّاب المجلس الجديد. بل من الطبيعي أن يُشنّ على بعض هذه الخطوات حروب برلمانيّة شبيهة بالحرب التي شنّتها الكتل النيابيّة على خطّة لازارد عام 2020، كونها ترتبط بمصالح الغالبيّة الساحقة من النخبة الماليّة المحليّة المستفيدة من النموذج الاقتصادي القائم. 


هكذا إذًا، يصبح من الأكيد أنّ هذه النخبة، وما يقف خلفها من حسابات وإعتبارات، وتحديدًا تلك التي تتشابك مصالحها مع مصالح النظام بشقَّيْه المالي والسياسي، تمثّل خصماً بديهياً في معادلة إعادة هيكلة الاقتصاد المحلّي والقوانين الناظمة له. وهذه الخصومة، ستُترجم في معارك مرتقبة داخل المجلس نفسه.

إلا أنّ الفئة التي ستلعب دور الخصم داخل المجلس، ستلعب اليوم دور الحكم، من ناحية البتّ بجديّة حظوظ المرشّح في الفوز، خصوصًا إذا ما أخذنا في الاعتبار حجم المتغيّرات التي لن يبتّ بها سوى المال السياسي في المعادلة الانتخابية. 

  • فالتغطية الإعلاميّة، بما فيها التغطية الإخباريّة البحتة، التي يُفترض أن تكون مرآة موضوعيّة للواقع، باتت سلعة تُباع وتشترى للمرشّحين. فلم يعد المال السياسي مطلوباً لتمويل الإعلان التلفزيوني المدفوع فحسب، بل تحوّل إلى شرط من شروط التمكّن من الفوز بـ«ريبورتاج» في نشرة الأخبار، أو حتّى بمقابلة صباحيّة.
  • وفي لعبة الأصوات، باتت المال السياسي شرطًا لدخول سوق المندوبين، التي استعرت أسعارها كبورصة ملتهبة في الدوائر الحسّاسة. ودخول سوق المندوبين، صار خطوة لا بدّ منها لشراء «بلوك» انتخابي وازن قبل دخول المنافسة الإعلاميّة أو تقديم الخطاب السياسي. 
  • أمّا أسعار الإعلانات الانتخابيّة بالدولار الطازج، فحلّقت بعيدًا عن قدرة المرشّح غير المدعوم ماليًّا.

في خلاصة الأمر، تحوّلت المعركة الانتخابية إلى رهينة بيد المموّل السياسي، الذي يمكن أن يكون مصرفيًّا داعمًا كأنطون الصحناوي مثلًا، أو مصرفيًّا مرشحًا كمروان خير الدين، أو مرتبطاً بمصالح على تماس مع النظام المالي كأمل أبو زيد وغيره. 

أما الفئة التي نجت من هذا المأزق في ضفّة مرشّحي التغيير، فتحوّلت إلى رهينة بيد المنصّات التي لم يتّسم عملها حتّى اللحظة بالشفافيّة، لا من ناحية طريقة انتقاء المرشحين المدعومين، ولا من ناحية أولويات الإنفاق والدوائر التي حظيت بالدعم السخي. وهذا الدعم قادر في المحصّلة على تحديد فرص الفوز في لعبة الأصوات التفضيليّة أو الحواصل، طالما أن الدعم سيفضي إلى تغطية إعلاميّة وإعلانيّة محظيّة.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
سلسلة غارات على الضاحية 
84 شهيداً في عدوان يوم السبت 23 تشرين الثاني 2024
3,754 شهيداً، 15,626 مصاباًمنذ بداية العدوان الإسرائيلي على لبنان 
المصوّرة نان غولدين في برلين: عار عليكِ يا ألمانيا
من النبطية إلى صيدا: لدينا فرعٌ آخر
24-11-2024
تقرير
من النبطية إلى صيدا: لدينا فرعٌ آخر