تحليل الولايات المتّحدة الأميركيّة
نبيل الخوري

التنازل الأميركي عن «خط هوف»: هديّة للنهب الإضافي؟

14 تشرين الأول 2022

فعلها جو بايدن

فعلها جو بايدن. «أهدى» لبنان، ولو من «كيس» غيره، ما رفضت واشنطن تقديمه على مدى عشر سنوات. مزّق «عجوز» البيت الأبيض الخريطة التي رسمها المبعوث الأميركي الخاص الأسبق، فريديريك هوف، في العام 2012، لتسوية النزاع بشأن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. تجاهل الخريطة التي كان يحلم بها الإسرائيليون، أي نسف الخط رقم واحد. فجاةً قال بايدن: 

نعم للخريطة التي رسمتها حكومة بيروت عندما أصدر المرسوم رقم 6433، في الأول من تشرين الأول 2011، والتي تحدد المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان؛ نعم لحصول لبنان على كامل المنطقة المتنازع عليها والتي تبلغ مساحتها مقدار 860 كيلومتراً مربعاً، ضمن إطار ما يعرف بالخط 23؛ أي لا لـ«خط هوف» الذي كان سيعطي لبنان قرابة 500 كيلومتر مربع من المنطقة البحرية المتنازع عليها مقابل 360 كيلومتراً مربعاً لإسرائيل.

تنازل إذاً الرئيس الأميركي. تخلى عن ذلك الموقف الثابت والمهين، الذي كانت تتسلّح به إدارة الجمهوريين برئاسة دونالد ترامب. حينها كان يُطلب من لبنان علناً، وبكل وقاحة، أن يقبل بما يعرضونه عليه وفق «خط هوف»، طالما أنه في الموقع الأضعف لأنه منهار اقتصادياً ومالياً، وإلا فلن يحصل على أي شيء.


حرب أوكرانيا

بالطبع، هذه الاستدارة الأميركية لم تأتِ نتيجة ضغط لبناني رسمي أو غير رسمي. فحكّام لبنان أجبن من أن يستخدموا منطق الضغط مع الأميركيين. وهم لم يتجرأوا في ربيع 2021 على توقيع «المرسوم التعديلي» للمرسوم رقم 6433، الذي يحدّد مساحة المنطقة المتنازع عليها بحوالي 2,300 كليومتر مربع وفق الخط 29، بدلاً من 860 كيلومتراً مربعاً والخط 23. وهذا ما دفع المدافعين عن ذلك المرسوم التعديلي إلى اتّهام الحكام بالخيانة العظمى. وهي تهمة مستحقّة. 

الاستدارة الأميركية أملتها على الأرجح التغيرات التي طرأت على سياسة الطاقة العالمية في سياق حرب أوكرانيا منذ شباط 2022. هذه الحرب وما نتج عنها من إدراك الأوروبيين بالملموس خطورة اعتمادهم بنسبة كبيرة على الغاز الروسي، دفعت الولايات المتحدة، المسؤولة الأولى عن أمن أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إلى الإسراع في تسوية النزاع اللبناني-الإسرائيلي. لولا الحاجة الغربية الماسة لبديل من الغاز الروسي، لما تنازلت واشنطن ربما عن «خط هوف». هذا يعني أن براغماتية الأميركيين وقدرتهم بسحر ساحر على اتخاذ الموقف الذي يناسب مصلحتهم، وانتهازية الأوروبيين ونقاط ضعفهم، تمثل كلها العوامل التي أتاحت ولادة الصفقة اللبنانية-الإسرائيلية. 


اتّفاقان لا اتفاق واحد

الدوافع الأميركية الفعلية والكاملة التي تقف وراء هذه الانعطافة خلال العملية التفاوضية، سيكشفها التاريخ يوما ماً. لكن الصورة الظاهرة تشير بوضوح إلى أن هذا التنازل الأميركي هو بمكانٍ ما تنازل أمام حزب الله الذي سبق له أن لوّح بالقوة مهدداً بإشعال حرب في شرق البحر المتوسط. إذا كانت واشنطن تريد فعلاً تجنّب حرب كهذه في المنطقة، فهذا يعني أن اتفاق ترسيم الحدود هو اتفاقان لا اتفاق واحد. الأول هو بين لبنان وإسرائيل، والثاني، ضمنيّ، بين الولايات المتحدة من جهة، وإيران ووكيلها الإقليمي حزب الله من جهة ثانية. هنا ثمة حسابات لا يمكن تجاهل أهميتها: الهدنة مع إيران في شرق البحر المتوسط، تضمن الاستقرار في المنطقة، وتضمن أمن خطوط إمداد الطاقة من شرق المتوسط إلى أوروبا. في ظل أي مواجهة طويلة الأمد مع روسيا، تصبح الهدنة (ولو المؤقتة) مع إيران في المنطقة، في برّها وبحرها، حاجة أميركية وأوروبية استراتيجية، طالما أن إيران ملتزمة بعدم تهديد أمن إمدادات الطاقة إلى أوروبا.


أمّا لبنانيًّا

لكن ماذا لو انسحبت هذه الهدنة على ملفات السياسة الداخلية في لبنان؟ فالتراجع الأميركي قد يتبعه تحوّل في سياسة واشنطن حيال الطبقة الحاكمة أو ما يعرف بتحالف مليشيا حزب الله والمافيا المالية والمصرفية والبيوتات السياسية. الخط البياني الثابت للسياسة الأميركية والغربية عموماً، تمثل منذ سنوات في ربط المساعدات المالية الدولية لإنقاذ الاقتصاد اللبناني بتطبيق إصلاحات شاملة تضمن الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد والمساءلة والمحاسبة. التحوّل المحتمل قد يتجسد بتخلي واشنطن والغرب عن الشروط المشددة، وإعادة الانفتاح على الحكام الفاسدين. من شأن ذلك أن يمنح التحالف الحاكم شرعية دولية. أما النتيجة الأخطر، فتتمثل في إمكانية إفلات ناهبي المال العام والخاص وقاتلي الشعب اللبناني من العقاب.

هكذا، يكون استعجال الرئيس جو بايدن لإتمام صفقة ترسيم الحدود، قبل انتهاء ولاية نظيره اللبناني ميشال عون وبدء الفراغ الرئاسي المحتمل، بمثابة «هدية» سياسية ثمينة لتحالف «المليشيا-المافيا» الحاكم. صحيح أن هذه «الهدية» أتت على حساب حق لبنان في مساحة أكبر من تلك التي حصل عليها، بيد أن هذا التحالف الحاكم ينوي استخدامها بما يضمن إعادة تثبيت هيمنته على السلطة. سيكون ذلك ممكناً من خلال توظيف الموارد المأمولة من الغاز والنفط في إطار عملية نهب جديدة وإعادة توزيع هذه الموارد على الشبكات الزبائنية للقوى الحاكمة. 

فهل تفعلها واشنطن وتغضّ نظرها عن محاولة النظام اللبناني الغنائمي إنقاذ نفسه بفضل اتفاق ترسيم الحدود البحرية؟ هل تطبّع مع نظام كان من المفترض ليس فرْض عقوبات على المتحكمين بمفاصله وحسب، بل زجّهم في السجون أيضاً؟ أم أن هذا التراجع الأميركي في ملف ترسيم الحدود سيكون خطوة مدروسة إلى الوراء، استعداداً لقفزة ما إلى الأمام، أي تمهيداً لهجوم أميركي ما في الميدان اللبناني يقلب الطاولة على الجميع ويحرم العصابات الحاكمة، لا الشعب اللبناني، من الاستفادة من موارد الغاز والنفط لإطالة أمد نظام النهب اللبناني؟

 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
إسرائيل تدمّر مبنى المنشية الأثري في بعلبك
جماهير «باريس سان جيرمان»: الحريّة لفلسطين
مطار بيروت يعمل بشكل طبيعي
فكشن

الدني بتهزّ، ما بتوقاع

عمر ليزا
37 شهيداً في عدوان يوم الثلاثاء 5 تشرين الثاني 2024