- مين ربّك ولك؟ - … - مين ربّك ولك عرصة؟ قول بشار الأسد! - بـ… بـ… بشار الأسد. - بشّار الأسد شو؟ قول بشّار الأسد ربّي! - بشّار الأسد ربّي!
فيديو انتشر على هواتفنا النوكيا المحمولة، أوّل أيّام الثورة السورية، يُظهر شبّيحة النظام السوري يعتدون على أحد المعارِضين بعدما اعتقلوه، وعلى الأرجح قبل أن يقتلوه.
- قول أيري بالشيوعية! - أيري بالشيوعية. - قول الله قوّات! - … الله قوّات. - حكيم وشو؟ [لكمة على الوجه] حكيم وشو يا عرصة؟ - حكيم وبس…
فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، اليوم الخميس، يظهر شبّيحة القوّات اللبنانية يعتدون على قاصرٍ قَيَّدوه وأجبروه على تكرار ما يقولون، بعدما اعتدوا على مسيرةٍ كانت تحيي ذكرى انفجار المرفأ لحظة مرورها في الجمّيزة.
وجهُ الشبه واضح؛ لكن يبقى مُجحِفاً، بحقّ الطرَفَين، تشبيه أحدهما بالآخر. كما يبقى صعباً أن نحكم، أيّهما المعلّم وأيّهما التلميذ؟ تشابه المشهدَين المذكورَين، مع فارق عقدٍ من الزمن، لا يعني بتاتاً أن القوّات تعلّمت من النظام السوري (مع فارق بلغ بضعة آلاف الضحايا لصالح النظام في سوريا). مرّ زمنٌ كانت القوّات تعطي دروساً بالتشبيح.
لكن ما لنا وذاك الزمن، لا نريد العودة إلى دهاليز الحرب الأهلية. أصلاً لا حاجة لذلك: تعفيس القوّات ما بعد الحرب فيه المادّة الكافية لتقديم النقد الوافي، سواء لبسوا كرافاتاتٍ أم لبسوا «الزيتي».
وجهُ الشبه واضح؛ أمس، كانت القوات هي من افتتح عنف السلطة، مع اعتداء مناصريها صباحاً على رجلٍ انتقد رفعهم أعلام حزبهم بين مسيرات المرفأ. حزبهم، وهو بطبيعة الحال حزب سلطة، مهما علا شأن حكيمهم بالركمَجَة.
الركمجة: الجذر رَكْمَجَ/ من [ركوب + موج]، وهي رياضة ركوب مَتن الأمواج.
المشكلة أنّ القوّات، بلعبةٍ خبيثة وببروباغندا واسعة (عمودها الـMTV وتسطيح وعي المناصرين)، حاولت سحب نفسها من «السلطة» كالشعرة من العجين. يظنّ المناصر العاديّ أنّ حكومةً من دون قوّات تجعل من القوّات معارِضة للمنظومة.
ينتج عن هذا التسطيح مغالطات عدّة. منها من جهة أحزاب السلطة نفسها، إذ تغذّي ممارسات القوّات «الثورية» روايات حزب الله حول الانتفاضة، حول العمالة والسفارات والهجوم على «المقاومة». أحلى خدمة قدّمها النظام لنفسه عشية 17 تشرين، كانت أن عرضت القوّات نفسها على أنّها مُعارَضة أمام حزب الله، حتّى بات أهوَن على هذا الأخير أن يُجهض الانتفاضة.
أمّا من جهة المعارضة الفعلية، فيؤخذ عليها غرقها بتهشيم صورة ميشال عون مثلاً، من دون أن ينال جعجع قسطه من التهشيم، وهو الذي سبق عون بسنواتٍ ضوئية في التعريص
29/10/2019: مناصرو الثنائي الشيعي يَغزون رياض الصلح، يكمنون للمتظاهرين ويجتاحون الساحة من مدخلَيْها. 04/08/2021: مناصرو القوّات اللبنانية يتجمهرون في الجمّيزة، يكمنون للمتظاهرين، يغلقون الطريق أمامهم ويطوّقونهم من الخلف.
وجهُ الشبه واضح؛ لم تستطع القوّات أن تفوّت فرصةً كهذه لتؤكّد على تماهيها مع ممارسات باقي أحزاب السلطة، علماً أنّها أوّل من يسارع لانتقادات التشبيح عندما تصدر عن غيرها. لكن هذه الجمّيزة! «منطقتنا»، «الشرقية». وقبل أن ينصب القوّاتيّون ليلاً «حواجز على الكوفية»، كمنوا ظهراً لإحدى مسيرات 4 آب التي ضمّت بالتحديد عدداً من الشيوعيّين.
للأمانة، يؤخَذ على هؤلاء «تشاطرهم» في رمي هتاف «صهيوني صهيوني سمير جعجع صهيوني» أمام نقطة تجمّع للقوّات (وهو مزيج من الزيتي والرانجات والرنجرات ونظّارات الرايبن والصلبان المشطوبة، يعني مظهر «بوطة القوّات» الستاندرد). الهتاف الذي أطلقه الشيوعيّون، بدوره، تضرب جذوره في الحرب الأهلية وفي تشرّب معظم الشيوعيّين لرواية «اليمين المسيحي» - وهي اليوم رواية مغلوطة، لا بل مُضلّلة، كونها تختزل مروحة اليمين. ما به اليمين الإسلامي؟ ما أحلاه حزب الله، ينغل نغلاً في اليمين. وهذا نقاشٌ آخر…
أساساً، لمَ النبش بالتاريخ لهذا الحدّ لاختيار الهتاف؟ أمامكم 30 سنة من التموضعات الاقتصادية اليمينية، ومن العنصرية والقومية والهوموفوبيا، ومن التحالفات مع «الخصوم» في نقابة هنا أو هناك أو مقعد نيابي هنا أو هناك، وأخيراً وليس آخراً، إعطاء الثقة للحكومة التي لا تنفك القوّات تهاجمها على أنّها حكومة حزب الله.
على كلٍّ، عودة لموضوعنا. أي هتاف مضاد لأي زعيم، مهما كان مسيئاً (وهو يجب أن يكون مسيئاً) لا يبرّر في أي حال من الأحوال، أن يكون هناك الآن شابٌ في المستشفى بضلوعٍ مكسورة وارتجاجاتٍ، بعدما طُعنَ بالسكّين ثلاثة مرّة، بعدما تكالَب عليه عشرات القوّاتيّين لضربه.
بالمناسبة، هذا هو الشاب نفسه الذي حاول شبّيحة الثنائي الشيعي أن يعتدوا عليه في كفررمان. هو نفسه الذي هتف أمام مراكزهم في الجنوب «ما منخاف ما منطاطي». وهو نفسه الذي «احتلّ» منفرداً مصرفاً حتّى استحصل على أمواله كاملةً.
على كلٍّ، ماذا نعرف نحن، قد تكون هذه هي استراتيجيا القوّات للملمَة الشباب «المسيحي» المُتساقط من قاعدة التيار الوطني الحرّ، بعدما تقلّصت قاعدته الشعبية منذ 17 تشرين حتى اليوم. لم تقوَ القوات على منافسة الكتائب، في أن تقدّم نفسها على أنّها الحزب الذي انتقل من اليمين المتطرّف إلى اليمين الوسطي الكوول، فاختارت التشبيح وشدّ العصب، تستوسترون في دماء المناصرين وذكورية في عقولهم.
أما هكذا يفعل نظيرها؟ حزينٌ مُصاب القوّات… حزينٌ مُصابهم ومثير للشفقة، حزينٌ أن تصبح مجرّد نسخة رديئة عن خصمك.