تحليل كورونا
فادي بردويل

الكورونا عدوّ والثوّار جراثيم

31 آذار 2020

”بينما أخوض حرب الكورونا لإنقاذ حيوات إسرائيلية، واهباً روحي ليلاً ونهاراً، تحاول المعارضة الإطاحة برئيس الوزراء الذي يقود السفينة خلال عاصفة الكورونا"

بنيامين نتنياهو

"إنه العدوّ غير المرئي"

دونالد ترامب

"في موضوع الحرب على الكورونا، من المفيد أن نشعر أنّنا جزء من حرب عالمية لأنّ العالم كله مشغول بهذه الحرب ومواجهة تداعياتها وبالبحث عن علاج... حتى الآن هذا العدوّ مجهول"

حسن نصر الله

جمع الوباء العالمي ما فرّقته السياسة. استعار الأعداء والحلفاء لغةً واحدة لوصف الوباء. استعمرت مخيّلة الحرب ومصطلحاتها الجميع، غير آبهة بالفوارق السياسية بين الليكوديّ المتطرّف والإسلامي الحركي والقومي العنصري. آزرت وسائل الإعلام النخب الحاكمة في عملية عسكرة الوباء. فمَن لم يحظَ بأيّ وقت مستقطع عن الحروب الأهلية والإقليمية وجد نفسه مجنَّدًا بين ليلةٍ وضحاها لمواجهة عدوّ شرس، غريب، يترتّب عليها الإعداد لخوض حرب طويلة والصمود، بحسب ما أعلمنا تلفزيون الجديد.

أصبحت عسكرة الوباء بديهيةً لدرجةٍ يصعب تخيُّل الكلام عن الوباء خارج إطارها. جاءت الحرب العالمية لتتوّج أكثر من قرن من اجتياح الاستعارات العسكرية للطبّ الغربي، تخلّلتها حروب على السلّ والسرطان والسكّري والأيدز والسمنة. لا يسبغ العلم معنىً محدّداً على الأمراض. لغته المجرّدة، فرضياته، استنتاجاته والعلاقات السببية التي ينسجها لا تحمل أجوبة للأسئلة الوجودية التي ترافق الأمراض. يلجأ البعض إلى تراث السحر الأدائي في مواجهة الداء. يرفضون تسميته، فيقولون هيداك المرض، لأنّ فعل التسمية استدعاء إلى الوجود. أمّا البعض الأخر، فيلجأ إلى تأويله كعلامةٍ أرسلها طرف (الآلهة، الطبيعة) إلى البشر لمعاقبتهم على أفعالهم الماضية.

إلا أنّ الاستعارة العسكرية (العلمانية) المسيطرة على النخب السياسية الحاكمة تبقى الأكثر فعالية وخطورة. تجنّد الأمّة كلّها في مواجهة الخطر الخارجي المحدق، محقّقةً بذلك حلم كلّ قومي يريد نفي التناقضات الداخلية في المجتمع. تعسكر الإغاثة فتجعل من المسعف والطبيبة والممرّض الذين أمضوا حياتهم بمعالجة المصابين من جرّاء الحروب إلى مقاتلين على الجبهات الأمامية، بينما تسعى التعبئة العامّة إلى جعل كلّ مواطن (على الجبهة الخلفية) خفيراً، فصحّة الأمّة من صحّة كلّ مواطن فيها.

تذكّر طبيعة العدوّ غير المرئيّة بالحرب على الإرهاب بعد هجمات 11 ايلول. تلك الهجمات التي نشأ عنها، إضافة إلى التعدّي على الحريات من خلال اشتداد مراقبة الدولة (باتريوت آكت)، تعميم جوّ من الهذاء الارتيابي (البارانويا) العام. لا وجه محدّداً للإرهابي، فمن الممكن أن يكون جاراً أو زميلاً لك عضواً في خلية نائمة. شجّعت سلطات نيويورك على ذلك حينها من خلال نشر ملصقات إن رأيتَ شيئاً، قلْ شيئاً. ما ينتج عن تغذية الروح القومية المعطوفة على بارانويا جماعية تجعل من الارتياب الشعور السياسي المهيمن، هو اعتداءات عنصرية على من «يُشتبَه بهم». وفي حالة عسكرة الوباء، يكمن الخطر الأساسي في الانزلاق من محاربة الفيروس إلى وصم المصابين به والتشهير بهم والوشاية على من يشكّ بالتزامه الإجراءات الحربية.

ليس نقد العسكرة دعوةً للتملّص من المسؤولية الجماعية التي تترتّب علينا في زمن الأوبئة، بل دعوة للخروج عن ذكورية لغة حروب الإلغاء. فهل بإمكاننا استبدال القضاء على الكورونا بـمعالجته، وجبهات القتال بـأروقة العناية، والصمود والتصدّي بـالتكافل والتضامن، والاستئصال بـالشفاء؟


ليس الالتفات إلى الاستعارات ترفاً في ثقافةٍ سياسيةٍ لها باع طويل بالانزلاق السهل من السياسيّ والحربيّ إلى الطبّي والبيولوجي.

سبق لحزب الله أن وصف حربه الأهليّة الصغيرة (7 أيار 2008) بعملية جراحة موضعية، فانقلب العنف الهجومي إلى عملية طبية شفائية، ربما كان هدفها استئصال أورام نمَتْ في بيروت والجبل. ودأبت الخمينية السياسية على وصف إسرائيل بغدّة سرطانية يجب استئصالها، نازعة السياسة عن الصراع العربي-الإسرائيلي (وعلاقة العداوة) لتلخيصها بالمعادلة الطبية- الحربية البسيطة: وجودك يسبّب موتي، واستئصالك يجدّد حياتي. أمّا الدكتور بشار الأسد، فأتحفنا في الأشهر الأولى للثورة السورية بمطالعة علمية مفادها أن المؤامرات كالجراثيم تتكاثر في كلّ لحظة وكلّ مكان… لا يمكن إبادتها وإنّما يمكن العمل على تقوية المناعة في أجسادنا لصدّها. وكان قد سبقه زميله معمّر القذافي في نعت شعبه الثائر بالجرذان والصراصير والمقمّلين والجراثيم.

في بلاد الاستعارات القاتلة التي تقلب العدوّ وَرَمًا والثائر جرثومةً، التوجّس هو أقلّ الإيمان إزاء إعلان حرب إلغاءٍ جديدة تهدف إلى تقوية مناعة جسد الأمّة.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
هكذا أصبح نتنياهو وغالانت مطلوبَيْن للعدالة
12 غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت
5 تُهم ضدّ نتنياهو وغالانت 
الاتحاد الأوروبي: قرار المحكمة الجنائية مُلزِم لكلّ دول الاتحاد