مرّت الذكرى الخامسة عشرة لـ«انتفاضة الاستقلال» من دون إحداث أيّ ضجّة، باستثناء محاولات من قبل شخصيات بارزة ممّا كان يسمّى «تحالف 14 آذار» لربط هذا التاريخ بـ17 تشرين الأوّل 2019. هذه المحاولات لـ«ركوب الموجة» مستمرّة منذ أوّل أيّام الانتفاضة بدءاً باستقالة وزراء القوّات اللبنانية بعد يومين من اندلاعها.
فلنعُد إلى 17 تشرين ونتذكّر لماذا لا تتّسع هذه الانتفاضة لـ14 آذار، لا بل أنهت أوهامها.
منذ أوائل التسعينات، أقرّت الحكومات اللبنانية سياسات نيوليبرالية منحازة لمصالح الشركات الكبرى وكبار رجال الأعمال، أفقرت الطبقات الوسطى والعاملة، وأدّت إلى تكريس الفروقات الاجتماعية- الاقتصادية، بالإضافة إلى تدمير الحركة النقابية والعمّالية. المسؤول إلى حدّ كبير عن هذه السياسات كان رفيق الحريري وفؤاد السنيورة ورفاقهما.
بعد اتّفاق الطائف، تكاثر الفساد في لبنان بشكل هائل، عبر الصفقات الغامضة وعبر الاستعانة بالواسطة للتوظيف في القطاع العامّ. كلّ القوى السياسية شاركت بهذا الفساد، ومن ضمنها تحالف 14 آذار ورموزه. فكيف ننسى نهب سوليدير لوسط بيروت، وتكليف شركة سوكلين (المحسوبة على الحريري) بلدية بيروت بالملايين، وتعمُّد مدير عام أوجيرو السابق (أيضا المحسوب على الحريري) إبقاء بطء الإنترنت لسنوات عديدة لتستفيد الشركات غير المرخّصة.
من جهة أخرى، لطالما لجأت قوى هذا التحالف، كسائر القوى السياسية، للّعب على الوتر الطائفي، خاصةً أثناء الانتخابات. كان ذلك واضحاً خلال الانتخابات النيابية عام 2000، عندما قدّم رفيق الحريري نفسه كـ«حامي الطائفة السنّية»، وخلال الانتخابات النيابية عام 2009 عندما خلقت وسائل الإعلام التابعة لقوى 14 آذار مناخاً من «الشيعة- فوبيا» في البلد. وكيف ننسى الانتخابات البلدية في بيروت عام 2016 عندما أطلقت «لائحة البيارتة» شعار لتبقى بيروت لأهلها.
الكراهية للفلسطينيين والسوريين متجذّرة في العديد من أطراف تحالف 14 آذار السابق. ومنهم «الحكيم» الذي ينتقد نظام الأسد لانتهاكه المستمرّ لحقوق الشعب السوري فيما رعى سياسات وزير العمل المنتمي لحزبه الصيف الماضي ضدّ العمّال الفلسطينيين والسوريين. ومنهم أيضاً الصحافيون الذين يجهدون لترويج مصالح السعودية وللتطبيع مع الكيان الصهيوني عبر النقد الحادّ والمستمرّ للفلسطينيين، لا سيّما المحاصرين في غزّة.
مع كلّ هذا، سعى التحالف لتقديم صورة «مدنيّة» و«لاعنفيّة» عن نفسه. لكنّ هذا لم يمنع ازدياد عنف قوى الأمن في السنوات الأخيرة، خاصّةً من قبل شرطة مكافحة الشغب تحت أوامر وزير الداخلية المستقبلي خلال حراك 2015. أضف إلى ذلك جهود وزيرة الداخلية المستقبلية في أوّل مرحلة من انتفاضة تشرين، باستخدام الغاز المسيّل للدموع بشكل مفرط، والحجارة والرصاص المطّاط على المدنيين، دون أيّ محاسبة لعنصر واحد من الأجهزة الأمنية.
أمّا اليوم، لا إهانة وإحراج أكبر من التسوّل للمصرف ليعطينا أموالنا التي اكتسبناها بعرق جبيننا بفضل سعادة حاكم مصرف لبنان الذي كان المصرفي الشخصي لرفيق الحريري في ميريل لينش قبل تعيينه حاكماً للمصرف المركزي عام 1993.
طبعاً هذا لا يعني أنّ الطرف الآخر (أي ما يسمّى بتحالف 8 آذار) غير متورّط بأيٍّ من هذا بعكس الشائع عن براءته من الأزمة الاقتصادية. لكنّ هذا التحالف قد أعلن تكريس صفوفه للثورة المضادة منذ اليوم الأوّل. أمّا بقايا تحالف 14 آذار، فحاولوا من دون خجل أو تردّد «ركوب الموجة» عبثاً لتلميع صورتهم ظنّاً منهم أنّ الشعب لا يفقه من السياسة سوى الحكومة. ربّما حان الوقت لتعرف هذه البقايا أنّه لا جدوى من محاولة خلق ربط بين ما يسمّى «ثورة الأرز» و17 تشرين. فشعار «كلّن يعني كلّن» لا يستثني أحداً.