تغيير الدستور كشرط تشكيل الحكومة
استعادت قوى النظام المبادرة مع تشكيلها لحكومة نجيب ميقاتي السياسية والحزبية. الحكومة الجديدة فاضحة على مستويات عدة، خصوصاً في تعارضها مع المبادرة الفرنسية الانقلابية نفسها:
لناحية آلية التشكيل، والانتماءات السياسية لوزرائها، وما ظهر في الأيام القليلة الماضية من شبهات فساد بحق بعض وزرائها، وصولًا إلى المنطق الذي يستفحل في تفكير جزء منهم.
بجميع الأحوال، لم تكن الحكومة لتتشكّل على هذا النحو لو لم يتمّ تحقيق شروط عدّة أخذت بالتبلوُر منذ بداية عهد عون، شروط تعكس مدى التغييرات غير العلنية التي أصابت الدستور والقوانين، وصولًا إلى الالتفاف على الصيغ كافة:
- شعار استعادة الصلاحيات وتكريس رئيس الجمهورية شريكًا مضاربًا في عملية تشكيل الحكومة، أو في منع هذا التشكيل.
- منح الثلث المعطّل الذي نادى رئيس الجمهورية وصهره وتياره به
- السير في عرف تطييف بعض الوزارات، وعلى رأسها وزارة المالية، والتي نادى الثنائي أمل وحزب الله بها.
كل هذه الأمور تعكس تغييرًا فعليًا في الدستور بالممارسة، بمشاركة وموافقة الجميع، خصوصًا الحريري، وإن من دون تغيير الدستور على الورق.
لا بدّ من تخصيص الحريري هنا لأنه من المرجّح أن يعلّل فشله في تشكيل الحكومة بإظهار نفسه مدافعًا عن الدستور ورافضًا لتدخل رئاسة الجمهورية في تشكيل الحكومة. لكنّ ذلك يتعارض مع آلية تشكيل حكومته الأولى في عهد عون، وتنازلاته التي قدمها يومها، بالإضافة لسلوكه وتنازلاته خلال تشكيل حكومته الثانية التي باءت بالفشل.
هذه الإنجازات وغيرها، من تغوّل للسوق السوداء والتستّر على المرتكبين وعلى جريمة المرفأ والإمعان في إذلال الناس، هو ما حقّقته القوى السياسية والاقتصادية والميليشيوية الحاكمة خلال السنتين الأخيرتين. لا بل إن كل ما قامت به هذه القوى من مماطلة في آلية تشكيل الحكومات، ومن التفاف على سير العدالة، كان يعكس خفة تعاطيها مع أزمات الناس، ومع خطورة الانهيار الذي نشهده، ومن هنا يبدأ النقاش.
استحالة الحكم
ستأخذ هذه الحكومة على عاتقها رفع الدعم عن السلع كافة، في حين أنّ كلّ القطاعات في لبنان تئنّ بسبب تدهور القدرة الشرائية، وإفراغ الرواتب من أي قيمة. تعبّر عن هذا التدهور كلّ القطاعات الحيوية بالدعوات المستمرة للإضراب منذ ما قبل التشكيل، والتي ستحتدم بعد التشكيل. فكيف ستتعامل الحكومة مع هذه الملفات؟ وهل باستطاعتها الصمود أمام كثافة المطالب دون تحقيق أي شيء جوهري فيها وبها؟
وأخيرًا، هل باستطاعتها أن تحكم؟
تطرح هذه الأسئلة نفسها لا لتجد الإجابات، بل لتُظهر مدى استحالة الإتيان بأي جديد باستثناء المماطلة بهدف البقاء، وربّما الإشراف على الانتخابات النيابية. ناهيك بأنّ قوى النظام ذاتها ليست على خط واحد، ولا تتوافق على التفاصيل، بل هناك تصفية حسابات من المرجّح أن تطفو على السطح في الأيام القادمة.
فعلى سبيل المثال:
- هل سيكون تيار الحريري على وئام مع هذه الحكومة بالرغم من أنها قامت على أنقاض حكومة كان من المفترض أن يشكلها هو؟ أم أنّ الحريري أراد فعلًا توريط ميقاتي في هذه الحكومة، وفي كل التنازلات الدستورية التي قدّمها، من خلال المشاركة بشكل غير معلن فيها، فسهّل مهمة التشكيل بهدف الاحراج وليس بهدف الحكم؟
- هل يمكن أن تؤدّي العلاقة المتوتّرة بين الرئاستين الأولى والثانية، وبين أهل بيت الحلف الواحد، وكل الازمات المحتدمة في المنطقة ومحاورها، إلى فترة استقرار تسمح ببقاء هذه الحكومة؟
تتكثّف هذه الأسئلة، والإجابات المفترضة عليها، حول نقطة جذب واحدة هي أنّ كلّ آليات إعادة انتاج النظام، ولو بانتخابات نيابية، ستزيد الأزمة، أو بأحسن الأحوال ستحافظ عليها، ما سيؤدي إلى تعميق الانهيار وفق المعادلة التالية: إن الحفاظ على نظام ينهار، لا بل محاولة إعادة إنتاجه، هو إمعان في انهيار النظام.