المجاعة (في الشرق الأوسط) ستؤدي الى تدفّق جديد للهجرة إلى أوروبا حسان دياب- واشنطن بوست، 21/05/2020
نحن شعبٌ بطران ولا يعجبنا العجب. لدينا «رئيس حكومة» يسعى كي يبهرنا. ليس فقط بما اكتسبه على مدى سنوات من علوم وخبرات، بل أيضاً في خياله السارح والرومانسي ولغته الخشبية الصريحة التي تجاهد بأن تكون لغةً صوفيةً متقشّفة تدعونا إلى الدعاء والرجاء كي تحلّ مشاكلنا.
يكفي أن نطلّ برؤوسنا قليلاً إلى كتابه الضخم الذي يعدّد صفاته الحميدة وشخصيّته المكوكية الخارقة التي بفضلها استطاع أن يفوز بوظيفة لدى حزب الله وجبران باسيل بصفته وزيراً أوّل لحكومة ألقاب، ومن بعدها علينا أن ننتقده. أو هكذا يريد منّا جمهوره المتخيَّل على السوشال ميديا أن نفهم. أوليس هو أوّل رئيس يخبرنا أنّ خزينتنا فارغة بكلّ جرأة، وكأنّنا لم نكن نعلم؟
نحن شعب بطران ولا يعجبنا العجب. لدينا رئيس حكومة يخطف الأضواء المعتمة كل مرة، ليُظهِر لنا وجوهه المتعدّدة. كمن يجلس في ظلّ مرآته. يعاكس ضوء الشارع كي يرى أنواته وتجلّياتها.
يكرّر دياب جملته الله حسبي المتحدّرة من ثقافة عبدالله الهرري، شيخ الأحباش ومرشدها، محاولاً إقناعنا بقدراته العجيبة على أن يكون مميّزاً، لا بل متفوّقاً في تميُّزه.
فهو ليس وريث زعامة، ولا رأسماليّاً يملك شركات عدّة، وليس رجل دين ذائع الصيت. هو إنسان مرهف لا تنقصه العبارة الجامدة في مكانها، مؤمن وخاشع بتسريحة شعر تلميذ مرتّب خرج لتوّه من الحمّام، ومشروع كاتب ناسك، ومعلِّم حكيم، وشاعر ضلّ طريقه، وصحافيّ لم تكتب له الصدف أن يصبح رئيس تحرير.
هو عاشق الألقاب، قد لا يتوانى أن يتفاخر في مذكراته الخاصة بأنّه ترأس جلسة إفطار عائلي، جالساً على رأس الطاولة الملأى بأطايب من فضل الرحمن وفضل أمّه عليه، متوسّطاً أولاده وزوجته.
إضافة إلى بروفسوريّته العالمية وأسْتَذَته وترؤُّسه شخصياتٍ توازيه في أكاديميّتها في حكومة إنجازات واهمة، يتميّز دياب بمشروعه الصحفي الذي بدأه برسائله إلى أمّه، وصولاً إلى مقاله الأخير في «واشنطن بوست». ما كتبه يشبه ما يكتبه طالب في مجلة الحائط.
فدياب الذي اشتهر بنصوصه التي تشبه أدعية كميل وقِطع الإنشاء التي تعلَّق على البراد في عيد الأم، عمل أسبوعاً كاملاً (ربّما) على نصّ بلغةٍ إنكليزية متقنة لا روح فيها.
كمن يدرز قميصاً مدرسياً مخطّطاًـ باهتاً لا يوحي سوى بالضجر والتكلُّف، فيه لغة تقريريّة وبكائيات ونواح على طريقة التذلّل، لغة مضمرة كمن يريد أن يقول ويستحي.
لم يخاطب دياب شعبه ككاتب وصحافي ورئيس حكومة، بل خاطب الغرب مهدّداً أوروبا على طريقة أردوغان: إن لم تساعدينا، ستأتي إليك دفعات المهاجرين. وربما عبر القوارب، فالجوع آتٍ آتٍ آتٍ.
يتعامل حسان إنجازاتي مع واقع البلد على طريقة الدراويش المذبوحين من الألم. مستخرجاً من أناته المتضخّمة أنا أخرى، هي أنا الضحية. نرى ظلال هذه الأنا في رسائله الأوديبية إلى أمّه، حيث يبدو أقلّ تعالياً وتفاخراً. أنا هائمة تبحث عن معنى وعن سند. وربما لأن دياب الذي بدا منذ البداية غير قادر على إنقاذ هرّة في بلد متداعٍ، يريد لأناه الأخرى أن تسمو في هواماتها لتصل في نصّها الرديء الذي يخاطب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية والبنك الدولي ومؤسسات الغيث الإنسانية، إلى الشحاذة المؤدّبة.
نحن شعب بطران ولا يعجبنا العجب. سنموت جوعاً لكن يكفينا فخراً أنّنا عاصرنا زمن خيالات حسّان إنجازاتي.