غالباً ما يُشبَّه جبران باسيل في سعيه إلى الزعامة المسيحيّة بكميل شمعون. لكن، في الواقع، يبدو أداء جبران باسيل السياسي شبيهاً بأداء كمال جنبلاط أكثر من أي زعيم لبناني آخر. وذلك رغم الفوارق الكبيرة بين الرجلين.
الأول يميني. الثاني يساري. الأول استفاد مادياً من حياته السياسية. الثاني ضحى بالمال والأملاك خلال مسيرته السياسية. الأول تزوّج إبنة زعيم قائد جيش. الثاني كان ابن عائلة إقطاعية مسكت السلطة والأملاك لمئات السنين قبل ولادته. الأول واحد من مجموعة زعماء لطائفة كبيرة. الثاني كان الزعيم الأول لطائفته من دون أي منافس قوي.
إذاً، ما الذي يربط بين كمال جنبلاط الذي بنى حياته السياسية على معاداة الامتيازات التي كانت متوفّرة للمسيحيّين، وجبران باسيل الذي بنى حياته السياسية على إعادة «حقوق المسيحيين»؟
التشابه الأوّل
سعى كمال جنبلاط، كما يفعل الآن جبران باسيل، إلى استعادة القوّة السياسية لطائفته. فقد أراد جنبلاط استرجاع قوة الدروز التي خسروها بداية سنة 1864، مع تأسيس ولاية جبل لبنان بعد تدخّل فرنسي متعاطف مع المسيحيين. فالتدخل الفرنسي بعد حرب جبل لبنان سنة 1864 منع ترجمة انتصار الدروز العسكري إلى انتصار سياسي. فكان لبنان الصغير الذي رآه جنبلاط ككيان صُنع من أجل الموارنة، وظُلم فيه الدروز تحت حكمهم. ثمّ أتى الميثاق الوطني سنة 1943 وتأسس لبنان المستقل الذي نعرفه اليوم. الاتفاق الذي أعطى امتيازات كبيرة للمسيحيين عامة، والموارنة خاصة، منع جنبلاط الأب من الوصول إلى سدة الرئاسة. حاول جنبلاط بعد الاستقلال تغيير تلك المعادلة مراراً وتكراراً، لكن الاتفاق لم يُعدَّل إلا بعد نهاية الحرب الأهلية. وخلال تلك الرحلة التي امتدّت عقوداً، تبدّلت مواقف جنبلاط كثيراً، من داعمٍ للكتلة الوطنية إلى حليفٍ لعبد الناصر حتى أصبح الأب الروحي للأحزاب اليسارية والقومية في لبنان، أي تحالف الأحزاب ذات الأغلبية المسلمة قبل الحرب الأهلية وخلالها (الحركة الوطنية اللبنانية). وبقي جنبلاط الزعيم الأبرز ضمن هذا التحالف حتى اغتياله سنة 1977.
التشابه الثاني
استعان كلٌّ من جنبلاط وباسيل بـفصيلٍ مسلّح خارج عن سيطرة الدولة من أجل إعادة المجد السياسي للطائفة. فكان تحالف المسلمين واليساريين والفصائل الفلسطينية لينجح بالقضاء على الجبهة اللبنانية، على «الانعزاليين»، لولا التدخل السوري لإنقاذ الجبهة. طبعاً، يختلف تحالف التيار الوطني الحر مع حزب الله عن تحالف الحركة الوطنية مع الفلسطينيين في العديد من النواحي، أهمها أن التحالف الأول لم يشارك كتحالف في الحرب الأهلية، وأنّه تحالف من داخل المكوّنات اللبنانية. لكنّها اختلافات لا تلغي جوهر التشابه.
التشابه الثالث
استعداد باسيل، مثل جنبلاط، لخوض معركته حتى النهاية. ففي ظل سلوكه السياسي الاستفزازي في السنوات الأخيرة وحادثة البساتين والبيان الصادر عن التيار الوطني الحر من بعدها، يبدو باسيل مستعداً للقيام بذلك. وإن كان هذا الاحتمال لا يزال بحاجة إلى مراقبة سلوك باسيل في المرحلة المقبلة.
فهل ينجح جبران باسيل حيث أخفق كمال جنبلاط؟ وما هي الكلفة التي ستدفعها البلاد من جرّاء هذا الصراع؟