يعتقد الوزير علي حسن خليل أنّ البدء بحل الأزمة المعيشية يقتضي زيادة رواتب العسكريين فقط.
منطق غريب بالنسبة لوزير مالية سابق في بلد مأزوم. لكنه ليس غريبا كلياً عن طروحات الوزراء والنواب الذين تعاطوا في الأساس مع مختلف الازمات السابقة بشكل غير مسؤول ومثير للريبة.
يعمل علي حسن خليل وفقا لمنظومة المماطلة والدفع لهؤلاء الذين يشير تدهور وضعهم المعيشي أو الزبائني الى تهديد مباشر لوجود الطبقة الحاكمة. هذا يعني انه ولتفادي المشاكل التي قد تنتج عن خرق الاتفاقيات والترتيبات التي تجمع بين سلطة فاشلة وحاشيتها والمستفيدين منها، لا بد من القيام بمناورات، تمكّن الوزير من انتاج نوع من طمأنينة لدى المستفيدين، وإن كانت على حساب سائر المواطنين.
نستذكر مثلًا اقتراح تقديمات خاصة لموظفي المصارف، أو التفاوض الدائم مع القطاع العام وفصله عن العاملين في القطاعات الأخرى، او طرح ضريبة بالكاد تطال أصحاب الحسابات الكبرى.
الكثير مما يسمى حلولاً قدّمت في الماضي، ولكنها حلول جزئية وغير مدروسة وليست ضمن خطط إنمائية متكاملة، ولذلك تفشل او تساهم في تفاقم الامور. تتعامل السلطة مع المواطنين بطريقة فردانية، وكأن مختلف القطاعات والأجهزة ومصالح المواطنين لا علاقة لها ببعضها بعضاً، ولا وجود لرؤية أبعد من تأخير الانفجار الاجتماعي.
بكلّ بساطة، يرى السيد خليل انه وفي الوضع الراهن لا بد من الحفاظ على علاقة وطيدة بين السلطة المهددة بالسقوط في أي وقت، والقوى العسكرية التي تضمن الحفاظ على ما تبقى من الهيكل المهترئ.
فكيف ستقمع السلطة شعبها بجهاز أمني بات يفقد امتيازاته المادية والوظيفية؟
فضلت السلطة أن تبقى بموقع الدفاع والمماطلة والتموضُع خلف الجهاز الأمني الذي لعب دوراً مهمّاً في قمع وتشويه التحركات الاحتجاجية المطالبة بالتغيير ومحاسبة المسؤولين. فإن لم تعد السلطة قادرة على الدفع للعسكريين، هل سيقوم هؤلاء بواجبهم الأمني؟ هل سنشهد مثلاً تراجعاً في العسكرة أو في قمع التظاهرات، أو كما يسميها وزير الداخلية، «مهام قوى الامن»؟
في ظلّ تدهور الوضع المعيشي لجميع المواطنين وانقطاع مصادر رزقهم بسبب جائحة كورونا، تبحث السلطة مرة أخرى عن بهلوانيات للقيام بها من اجل الإيحاء بأنها غير عاجزة كلياً. هل هو الخوف من أن تفقد السلطة ذراعها الأمنية والعسكرية نتيجة لفشلها؟ أم أنّها «نكايات» سياسية بين رئيس المجلس ورئيس الجمهورية؟ أم أنها الاثنين معاً؟
فعلياً، لا يعنينا الأمر الثاني بعد الآن، فقد اعتدنا على استخفاف المسؤولين بالمصلحة العامة والصورة الكبرى، وانشغالهم بفوضاهم وتقاتلهم على هذا وذاك. أما الأول، فهو حالة كلاسيكية لسياسات سلطة عاجزة وقلقة من الآتي، وعلى الأرجح، فإنّ خبر فرار بعض العساكر من الخدمة لن يكون الأخير، وسيتكرّر بلا شك في ظل عجز السلطة واستمرار الانهيار بشكله الحالي.
ألم يخطر ببال الوزير، إضافةً الى العسكريين، العاملين في القطاع الصحي وسائر الموظفين المدنيين في القطاعات العامة والخاصة؟ الم يخطر بباله العائلات التي فقدت مدخولها كلياً وباتت معدومة (أو إرهابية في حال قررت الاحتجاج على الأوضاع)؟
في طرحه هذا، يتناسى الوزير التضخّم والحاجة لزيادة الأجور الشاملة للجميع، والتي ان لم تحصل ستؤدي الى مزيد من التردي وتآكل في أجور مَن لم تشملهم الزيادة، وإنّ اي زيادة غير مدروسة للرواتب للعسكريين او غيرهم لن تحسن احوالهم الا قليلاً ولفترة وجيزة.
نحن نعلم ومن الأساس انه لجهاز الدولة الأمني امتيازات غير تلك التي يحصل عليها أي مواطن عادي قبل الانهيار. كذلك الامر لمختلف العاملين في القطاعات العامة والمصرفية. بهذا، تساهم السلطة في المزيد من التقسيم والتشديد على علاقتها الزبائنية بمختلف اطراف الدولة. فتفرض علينا تقبّل واقع أنّ بعضا منّا أحقّ واكثر حاجة، في وقت يعاني جميع من في البلد وليس فقط العسكريين. السلطة في موقف حرج جدا، فإما المضي بهذه الشعبوية وازدواجية المعايير، او الاعتراف بالفشل.
أمّا الآن وقد تحسّست السلطة خطر الانهيار المالي عليها، فإنه من الطبيعي أن تفضّل قسماً من المواطنين، هؤلاء القادرين على حمايتها، وأن تقترح تحسيناً طفيفاً في رواتبهم، علّها تبقي على هذه العلاقة «التقسيمة» القائمة، وتؤجّل موتها قليلاً.