تعليق انتخابات
سامر فرنجية

سقط «الوسط»

26 حزيران 2024

انتخابات بين يسار متطرّف ويمين متطرّف؟

«يجب رفض التطرّف، سواء أكان يمينياً أم يسارياً». هذا ملخص حملة المرشحين التابعين للحزب الرئاسي في فرنسا، والذين لم يبقَ لهم الكثير لتقديمه غير أنّهم «وسط» غير متطرّف. ذهب الرئيس الوسطي أبعد من ذلك ليحذّر من «حرب أهلية» في حال فوز إحدى الطرفيْن المتطرفيْن. لكنّ هذا العرض ما عاد يقنع الناخبين الفرنسيين، على ما يبدو، والذين باتوا مقسومين بين «التجمع الوطني» و«الجبهة الشعبية»، أي الطرفين المتطرفيْن بحسب نظرية «الوسط».

لكن ما مِن متطرّفين في الانتخابات المقبلة. فبحسب مجلس شورى الدولة الفرنسي، لا تُعَدّ «فرنسا الأبية» يساراً متطرّفاً. كذلك من الصعب اعتبار «الجبهة الشعبية» وأحزابها من عائلة التطرّف اليساري. أمّا «التجمّع الوطني»، والذي اعتبره مجلس شورى الدولة «يميناً متطرّفاً»، فبات يمثّل أكبر حزب يميني، أي أنّه بات اليوم الممثّل الوحيد لهذا اليمين. التطرّف بات الوسط عند اليمين الفرنسي.

ستجري الانتخابات المقبلة، إذن، بين يمين، بات ينحاز نحو نظرية التطرف، ويسار، ربّما يخوض لأول مرة منذ عقود انتخابات تحت هذا الشعار. والنتيجة الأولى لهذا الاصطفاف هي نهاية «الوسط» وسطوته على السياسة منذ انتهاء الحرب الباردة. 


صعود نظريّة «التطرّف»

سيطر «الوسط» على السياسة الغربية من خلال بناء نظرية «التطرّفَيْن» وضرورة الابتعاد عنهما، ما أنتج أحزاباً وسطية، باتت رغم أصولها اليمينية أو اليسارية، تتشابه إلى حدٍّ أفرغ المنافسة الانتخابية من أي معنى.

بدأ تركيب رواية «التطرّفَيْن» من خلال عدد من الأعمال التأريخية والنظرية التي أعادت تمحور السياسة من ثنائية اليمين واليسار إلى مقاربة «مكانية» لـ«وسط» محاط من تطرف يتشابه رغم الاختلافات الظاهرة. فأُعيدت كتابة تاريخ الثورات، أكانت رجعية أو تقدمية، لتصويرها كعمل عنفي وتدميري. وصعدت نظرية «التوتاليتارية»، ومن بعدها «الشعبوية»، لتساوي بين تجارب الفاشية والشيوعية. وصُوِّر اليسار واليمين المتطرّف كأيديولوجيات لا مكان لها في عصر ما بعد الأيديولوجيا.  

في عقب هذا العمل التدميري، تمّ تركيب الأحزاب الوسطية، وقد مثّلت تجربة توني بلير وطريقه الثالث في بريطانيا إحدى أبرز محطاتها. باتت الانتخابات منذ ذلك الحين محصورةً، في أكثرية الدول الأوروبية، بين حزبين، يتصارعان على أرضية مشتركة تشكّل حدود هذا «الوسط». بات هذا «الوسط الراديكالي»، بحسب عبارة طارق علي، يشكّل الأفق الوحيد للسياسة، محمولاً من قِبل نظرية أن لا بديل عن المنظومة النيوليبرالية. بدأت الفوارق بين الخيارات السياسية تزول، وحلّت مكانها معاداةٌ للديموقراطية من قبل «أخصائيين وسطيين» باتوا ينظرون للعملية الانتخابية كعقبة في وجه «إصلاحهم».  

هذا التاريخ هو من خسر الانتخابات المقبلة في فرنسا، وذلك قبل أن يحضّر الأرضية لصعود «اليمين المتطرّف». 


«الوسط» كطريق «التطرّف»

لم تكن نظرية «التطرّفَيْن» تهدف إلى إرساء «وسط» عقلاني وحسب. أو ربّما كان هذا هدفها، لكنّ نتيجتها كانت انحياز الحقول السياسية الغربية نحو اليمين وصعود اليمين المتطرف كبديل أساسي للمنظومات السياسية. فاعتبار الاقتصاد موضوعاً خارج السياسة، والتضييق التدريجي لحدود الديمقراطية، وتهميش فئات واسعة من المجتمع، فتحت كلُّها الطريق لصعود يمين متطرّف يربط بين مسائل هوياتية وقومية من جهة، ونقد النظام السياسي، من جهة أخرى. بهذا المعنى، يشكّل صعود اليمين المتطرّف أحد عوارض هذا «الوسط» الذي حكم منذ عقود، وحقيقته الضمنية في الآن نفسه.

فمهما كانت نتائج انتخابات الأحد المقبل، فإنّ الوضوح قد يشكّل نتيجتها الأولى. وربّما نتيجتها الأهمّ.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
فكشن

الدني بتهزّ، ما بتوقاع

عمر ليزا
37 شهيداً في عدوان يوم الثلاثاء 5 تشرين الثاني 2024
بري: المفاوضات في ملعب إسرائيل
9 غارات تستهدف الضاحية الجنوبية
تخوّف من تفخيخ جيش الاحتلال مستشفى ميس الجبل الحكومي