تعليق فرنسا
سامر فرنجية

مفاجأة بات عمرُها 50 عامًا 

12 حزيران 2024

«المفاجأة» المتوقّعة

بدت نتائج الانتخابات الأوروبية متوقّعة، حتى لحظة صدور النتائج الفرنسية. فالصعود الثابت لليمين المتطرّف لم يعد خبرًا يثير الدهشة، كما الانحياز اليميني «للوسط». لكنّ اكتساح «التجمّع الوطني»، ومن ثمّ قرار الرئيس الفرنسي حلّ البرلمان تمهيداً لانتخابات تشريعية جديدة شكّلا مفاجأة، وصفها الإعلام الفرنسي كزلزل وخطر على الديموقراطية ونقطة تحوّل، إن لم تكن عودة إلى أيّام الفاشية.  

لكنّ «المفاجأة» ليست مفاجأة إذا ما نظرنا إلى صعود «الجبهة الوطنية» ومن ثم «التجمّع الوطني» في آخر نصف قرن. فالخطّ التصاعدي للتطرّف اليميني واضح، من حوالي 10 بالمئة من الأصوات في منتصف الثمانينات، إلى أكثر من 30 بالمئة في الانتخابات الأخيرة. ما من مفاجأة أيضًا إذا ما وضعنا هذه النتائج في سياق الصعود الجذري لليمين المتطرّف في السنوات الأخيرة في كافة أنحاء العالم وانحياز الخطاب العام نحو طروحاته. 

ما من «مفاجأة» إذاً إلّا لمن لا يريد أن يواجه واقع تطرّف الحياة السياسية الغربية، تطرّف بات مرشّحًا لأن يحكم في أوروبا في الذكرى الثمانين للإنزال.


«الوسط» والتطرّف

شكّلت النتائج «مفاجأة» إذن لأنّ الاعتقاد ما زال سائداً بأنّ هذا الصعود ليس إلّا «تصويتاً احتجاجياً» على سياسات الأحزاب «الوسطية». فـ«التطرّف» ليس إلّا تأديبًا «للوسط»، حسب هذه المعادلة، هذا «الوسط» الذي قدّم ذاته كمشروع الحكم الواقعي الوحيد. سارعت، في هذا السياق، رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى تطمين الرأي العام بأنّ «الوسط» ما زال متماسكًا في وجه صعود التطرّف، اليميني منه واليساري، حسب تصريحها. ففي نظر الأحزاب الأوروبية الحاكمة، لا يقع خطّ الاشتباك بين يمين ويسار، بل بين وسط وتطرّف، أو بين من يحقّ له أن يحكم جرّاء عقلانيته وقدرته على المساومة والحوار، ومن يفتقد لهذه الصفات وليس له مكان بسدّة الحكم. 

لكنّ التطرّف ليس، أو لم يعد، تصويتًا احتجاجيًا إلّا في نظر مَن يعتبر الحكمَ حقّاً حصريّاً له. ففي العقد الأخير، بات هذا التطرّف أقرب إلى مشروع حكم شرعي بنظر فئات واسعة من الناخبين الغربيين. لم يعد التطرّف مكتفيًا بدوره كتأديب لـ«وسطٍ» واثقٍ من موقعه في الحكم، وبتأثيره على الحكم فقط من خلال دفع الخطاب العام نحو أطروحاته. وما يعنيه هذا التحوّل هو أنّه رغم كل محاولات التلطيف الإعلامية، هناك كتلة ناخبة وازنة في أوروبا باتت تعتبر نفسها ممثَّلةً من قِبَل هذا اليمين المتطرّف والعنصري، والفاشي ببعض الأحيان، والرجعي في معظم الأحيان. 

اعتبار هذا التصويت مجرّد رسالة احتجاجية لـ«الوسط» هو هروب من مواجهة أن أوروبا باتت اليوم أقرب من أي وقت مضى منذ الإنزال، إلى الطرف الذي خسر هذه الحرب المؤسسة للهوية الأوروبية. 


«حتميّة» اليمين المتطرّف

ثلاثة أسابيع تفصلنا عن أول دورة انتخابية في فرنسا، حيث الطبقة السياسية والإعلامية تتحضّر لمواجهة إمكانية، إن لم تكن حتمية، حصول اليمين المتطرف على أكثرية نسبية للمقاعد. اليسار شكّل جبهته الشعبية، افتتاحيات الصحف الرئيسية تحذّر من إمكانية عودة الفاشية، صور الحرب العالمية الثانية عادت إلى الواجهة، كما توبيخ الفرنسيين بعدم الوقوع بفخ الشعبويّة. 

لكنّ الحقيقة المُرّة هي أنّ الأرقام تبدو واضحة، مع يمين متطرّف حصل على أقلّ من 40 بالمئة، ويمكن أن يحصل على حوالي 45 بالمئة إذا ما تمّ الاتفاق مع الجمهوريّين. ربّما يمكن للتلاعب الانتخابي وتحالفات آخر لحظة وحملة التوبيخ الجماعي أن تحدّ من هذا الاكتساح، لكنّ الواقع هو أنّه بات هناك قطبٌ في السياسة الفرنسية في مواجهة تشكيلة من الأحزاب الصغيرة، قطبٌ- مهما حاول «الوسط» تصويره كتطرّف هامشيّ- بات هو محور السياسة. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
ما هي الفصائل المُشاركة في عمليّة «ردع العدوان»؟
الراعي جمال صعب شهيدٌ جديدٌ للخروقات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار 
قوّات الاحتلال تقتحم المستشفى التركي في طوباس
10 شهداء في العدوان الإسرائيلي على لبنان أمس الاثنين
معارك في دير الزور لطرد الميليشيات الإيرانيّة
81 شهيداً 304 مصابين منذ بداية عدوان الأسد وروسيا على إدلب وحلب