يحتوي هذا النص على سبويلرز من فيلم «صالون هدى»
«لا علاقة للوزارة بالفيلم المذكور من أي جهة».
هكذا تبرّأت وزارة الثقافة الفلسطينية من فيلم «صالون هدى» للمخرج هاني أبو أسعد، نصرةً لحملات الهجوم والانتقادات الواسعة التي طالته.
تدور أحداث الفيلم في بيت لحم في الضفة الغربية المحتلّة. تذهب ريم إلى «صالون هدى» لتقصّ شعرها، فتتفاجأ باستيقاظها في سريرٍ غريب، عارية، بجانبها هدى مصفّفة الشعر تطلب منها العمل مع المخابرات الإسرائيلية، مهدّدةً إياها بالصور التي التقطتها لريم إلى جانب شابٍ عارٍ. يتّضح لاحقاً أنَّ هدى كانت أيضًا ضحيّة الابتزاز الإسرائيلي الذي هدّدها بفضحها بعدما علم بخيانتها لزوجها.
فتدور الحبكة بشكلٍ كبير حول فكرة الفضيحة، والفضيحة هنا تتعلّق بشكلٍ أساسي بأجساد النساء وجنسانيتهنّ. يستخدم عنصر المقاومة الفلسطينية الذي يحقّق مع هدى بعد انكشاف عمالتها، منطق لوم الضحية، فلا يعترض على سقوطها كضحية في أنياب الاحتلال، بل يسألها ليش خنتي زوجك؟ الحق عليكي أصلاً. وتعود هدى لترسّخ هذا المنطق عندما تلوم الشعب الفلسطيني على وقوعه تحت الاحتلال.
بعد الانتهاء من التحقيق، تطلب هدى من المحقّق أن تُقتل برصاصةٍ ولكن ليس في رأسها. يقول لها المحقّق أنّه ما من جدوى أن تحافظ على صورتها، فلن يسامحها المجتمع الفلسطيني على خيانتها الكبرى. فتردّ بأنّها لا تكترث لصورتها أمامهم، بل لصورتها أمامه هو. بمعنى آخر، لا تريد هدى أن تنظر إليها المقاومة الفلسطينية، ممثلةً بالمحقّق، كعميلة، ولا كضحيةٍ أيضًا، بل تريد من المقاومة، والمشاهدين، أن ينظروا إليها كاملةً بتعقيدات شخصيتها وظروفها والمجتمع الذي لا يرحم المطلّقة والخائنة، ولا يرحم ضحيّة التعنيف والابتزاز أيضًا.
تتبادل شخصيات الفيلم إذًا دور الضحية والجاني، والظالم والمظلوم، والمقاوم والمحتلّ، لتدخلنا في نقاشٍ أوسع عن دوامة العنف التي لا تنتهي تحت الاحتلال، والتي تدفع النساء ثمنها الباهظ.
وصفت الحملات المضادّة الفيلم بـ«الإباحي» لاحتوائه على صورٍ لنساءٍ عاريات. تتذرّع ردّات الفعل أنّه ما من داعٍ لخلع ملابس النساء وتعريتهنّ لإيصال رسالة الفيلم، إلّا أنَّ التعرّي كان في صلب الحبكة. فلم يوظّف الفيلم الأجساد العارية بغرض إثارة الشهوة أو المتعة أو الترفيه، كان قرارًا سياسيًا تدور حوله قصّة الفيلم: تستغلّ هدى أجساد زبوناتها، تخدّرهنّ، تخلع ملابسهنّ، وتهدّدهنّ بفضحنّ بعد تصويرهنّ إلى جانب رجلٍ عارٍ، لتنقذ نفسها من الابتزاز والفضيحة.
لم تطَل أغلب الشتائم جسد الرجل العاري، بل توجّهت بشكلٍ أساسيٍّ إلى النساء. فهو ليس شخصية إباحية، بل ممثّل، أمّا النساء فهنّ نجمات إباحيات ولسن ممثلات. تصوّر ردّة الفعل هذه إذًا ازدواجية معايير «الرأي العام» في الشيطنة والنبذ والمحاسبة.
فأين هي المادّة الإباحية إذًا؟ هي في نظرتنا إلى أجساد النساء التي لا نستطيع أن نراها أبعد من شيءٍ يثير الشهوة، وأبعد من مادةٍ للتملّك، وموقع لممارسة السلطة والقوّة. يمثّل التركيز على «إباحيّة» الفيلم نظرة الذكور الاستعمارية لأجساد النساء، فهي موادّ إباحية بغضّ النظر عن السياق الأوسع، وهي في جوهرها «مثيرة» كيفما ظهرت وكيفما بدت، حتى ولو وقعت ضحيةً لابتزاز المحتلّ.
توعّدت وزارة الثقافة الفلسطينية بـ«تنظيم قطاع السينما في البلاد»، في تهديدٍ مباشر لكلّ ما يخرج عن سردياتها وقيمها وأطرها وتقاليدها. يأتي هذا التهديد كإنذارٍ للفنانين كي لا يخرجوا عن الواقع الذي ترفض السلطات أن تعترف فيه.
جاء اعتراض السلطات الفلسطينية على الفيلم من باب أنَّ معالجة القضايا الفلسطينية يجب أن تكون ضمن النسق العام للتقاليد والأخلاق، ويجب أن تكرّس تضامن وتعاضد الفلسطينيين في وجه الاحتلال. إلّا أنَّ الواقع ليس بهذه البساطة، فالاحتلال أعقد من فلسطيني بوجه اسرائيلي، خصوصًا إذا ما استندنا إلى تجارب النساء، كما شاهدنا في الفيلم. أشكّ أنَّ هجوم السلطات على هذا الفيلم كان فقط لاحتوائه على نساءٍ عاريات، بل أيضًا لنقله واقع معاناة النساء الفلسطينيات تحت ذكورية الاحتلال الإسرائيلي والمجتمع الفلسطيني.
فليس الفيلم هو الذي يفقد علاقته مع الواقع، كما تقول السلطات، بل الحملات التي قادتها السلطة ضدّه.