يوميات ثورة تشرين
نادين علي ديب

طرابلس، كي لا نُحبَط

3 كانون الأول 2019

كيف لنا ألا نُحبَط، ونحن مَن عهدنا الوسطية في كلّ شيء؟ نجد أنفسنا اليوم وكأنّنا نقف في الوسط، ما بين اللاعودة والنصر، تماماً كجنود حروب القرن الماضي لا يدرون ما حقّقوا في ساحات القتال، نصراً أم هزيمة، لكنّهم أدركوا استحالة اللاعودة. عندما أشاهد أياً من الأفلام عن تلك الحقبة، يستوقفني كيف يُزَفّ النصر والهزيمة وكأنّ القوّة الإلهية تدخّلت والمعجزات تحقّقت من دون أن يشهد أحد على ما حصل، ولكنّ الجميع يمضي بالنتيجة والتاريخ والذاكرة في تسليمٍ للمنتصر. الفارق اليوم هو أنّنا كلّنا جنود في ساحات مدننا، وكلّنا ذاكرة حيّة، ولكنّنا ما زلنا نقف في الوسط. أنا أكره الوسط وأكره الرمادي. ولعلّ أجمل ما حدث في هذا الشهر المنصرم هو أنّه كان شهراً سريعاً بما تخلّله من أحداث وتقلّبات ومشاعر وغضب ومصالحة. لكنّ الأمور بدأت تصبح بطيئة، وأخشى أن نتعب وأن نُحبَط لأنّ البطء ثقيل.


لقد كسرت الثورة الوسطيةَ في طرابلس عمري أربعةٌ وثلاثون، وأنا من تضع مدينتها على خطّ أفقي لترى أنّ أغلبيتها تقف في الوسط. الأغلبية المحافظة التي اعتادت شهر رمضان شهراً وحيداً للساحات والسهر المتأخّر. أمّا اليوم، في شهر الثورة، لا وسطيّة ولا «إكستريم ملحد» أو «إكستريم إسلامي». تكوّرنا على شكل دائرة ننظر بإتجاه الساحة ونرقص ونتحاور ونتحاور ونسير بمسيرات وندخن السجائر ونشتم النظام والسياسيين ونأكل الكعكة بألف ليرة. طرابلس تصالحت على عدّة أصعدة، طبقيًا وشوارعيًا، وعاد للتلّ أبناؤه المهاجرون في ضواحي البناء الجديد. لطالما كان التلّ منطقة الباصات والفانات والبنوك والزحمة والهستيريا، منطقة دور السينما والعرجة ومسرح الإنجا... لكنّنا كدنا ننسى أنه البلد. البلد كما كان أهل الشمال والمينا يقولون: «نازل عالبلد». اليوم، عدنا لنجد نساء طرابلس عالتل، التل الذي كنّا نخشى فيه التحرّش اللفظي، حين نمرّ به مرور المستعجل. فالتلّ، كما كلّ الأحياء القديمة، اغتالها نظام رأس المال والربح السريع وغياب الرؤيا والجمالية والبلدية والترميم.

لقد كسرت الثورة الوسطية في طرابلس ولا أريدنا أن نعود إلى الوسط والوسطية. ولا أريد أن أرى نفسي إنني أنتمي إلى «الإكستريم» مجدّدًا.


منذ ثلاثة أسابيع، عدت إلى عملي في المركز المجتمعي بمنطقة التبانة، وتراجع حضوري على الساحة، لأنّ معظمنا لا يستطيع الاستمرار بلا عمل أو وظيفة. لكنّي لا أريد أن أعود إلى الوسط والوسطية. علينا الاستمرار لأنّ النظام يحاول أن ينجو بقانون عفو عام عن كل جرائمه تجاهنا وتجاه مدننا والبلد، لأن النظام يحاول إعادتنا إلى الوسط. دعونا لا نُحبط ولا نعود إلى الوسط لأنّ الثورات جميلة وشرسة وليست وسطية.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
تعليق

الحرب الأهلية وذكراها، والمصارف وإعلامها

سامر فرنجية
ميغافون تعترض أمام النيابة العامّة:
15-04-2025
تقرير
ميغافون تعترض أمام النيابة العامّة:
الصحافيّون لا يمثلون إلا أمام محكمة المطبوعات
حدث اليوم - الثلاثاء 15 نيسان 2025
15-04-2025
أخبار
حدث اليوم - الثلاثاء 15 نيسان 2025
استباقاً لجلسة اللجان المشتركة
15-04-2025
تقرير
استباقاً لجلسة اللجان المشتركة
أكاذيب لتفخيخ القوانين الإصلاحيّة
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 15/04/2025
«لجنة حماية الصحافيين» تتضامن مع ميغافون ودرج