تحليل ثورة تشرين
سامر فرنجية

عيدٌ في ظلّ الثورة

22 تشرين الثاني 2019

اعتدنا على مدار السنوات على عيد استقلال مضجر. في زمن الحرب، كان العيد باهتاً ولكن فيه شيء من السوريالية: جيش هزيل يستعرض نفسه في ظلّ حروب أهلية واحتلالات، ليحتفل باستقلال لا معنى له. لم يكن هذا المشهد بعيدًا عن معركة الاستقلال الأصلية. فمنذ إنجازه واستقلالنا يعاني من «عقدة نقص» تجاه معارك الاستقلال الأخرى في المنطقة وملايين شهدائها. كان استقلالنا أشبه بخلاف عائلي، تم احتواؤه حول مائدة غداء نهار الأحد.


لم تشكّل معركة الاستقلال لحظةً مؤسِّسة. فجاء «الميثاق الوطني» ليملأ هذا الاستقلال بمضمونه الداخلي. التقى رجلان، يراد منهما أن يمثلا طائفتين، يراد منهما أن يلخّصا بلدًا، وأنجزا اتفاقًا تاريخيًا، وضع الأسس لثقافة «تسوويّة» صبغت النظام اللبناني حتى اليوم. لم يكن الميثاق عقدًا اجتماعيًا، بل اتفاقاً بين أبناء النخبة الحاكمة، اتفاقًا ساده التهذيب والتنازل المتبادل من خلال عبارات مركّبة. انحدرت هذه الثقافة مع الوقت لتتحوّل التسوية إلى مادة لابتزاز لا نهاية له، بات المبرّر الأول للفساد والاتفاقات العوجاء.


حاول الميثاق الوطني، ومن ورائه النخب الحاكمة، أن تضبط التحوّلات الاجتماعية والسياسية التي عصفت بالبلاد، ولكنّها لم تنجح. فجاءت الحرب الأهلية ونهايتها، ومعها وعد تحويل انتهاء الحرب إلى التجربة المشتركة واللحظة المؤسسة لإجماع جديد. فأتت وثيقة «الوفاق الوطني» لكي تترجم هذه التحوّلات طائفيًا واجتماعيًا. لم يدُم وعد نهاية الحرب الكثير من الوقت، وطُمس تحت قانون عفو قضى على ذاكرة، وسياسة إعمار أفرغت التسوية من أي معنى اجتماعي، وهيمنة لنظام المخابرات السورية قتل السياسة.


في لحظة بداية انهيار هذه التسوية، جرت محاولة أخيرة لإنعاش الطائف من خلال لحظة «المصالحات التاريخية». فحول اغتيال الحريري، التقى اللبنانيون في محاولة لطيّ صفحة الحرب الأهلية. وقبل هذه اللحظة، كانت هناك «مصالحة تاريخية» في الجبل ومصالحات أخرى بين أفرقاء الحرب الأهلية، حاولت تحويل الوفاق إلى شرط لمعركة الاستقلال الثانية. بيد أن المصالحات لم تدُم، وباتت مدخلًا لتحالفات حزبية أدّت بالبلد إلى حالة من الشلل القاتل.


جاءت ثورة تشرين في أعقاب هذا التاريخ وبحثه عن صلابة اجتماعية تبرّر وجود هذا البلد. جاءت تستكمل هذا التاريخ بالشكل من خلال تحريره من «عقدة نقصه» تجاه الآخر الأكثر صلابة. إنّها لا تستحي برخاوتها وانفتاحها وحاجتها للمصالحة. ولكنّها تقطع مع هذا التاريخ لكونها، وربّما للمرة الأولى في تاريخ لبنان الحديث، خرجت من الشعب وأنتجته في آن واحد. إنّها ثورة كسرت مع نخبوية الاتفاقات السابقة في بحثها الضمني عن عقد اجتماعي جديد. الثورة، بهذا المعنى، صالحتنا مع تاريخنا بلحظة تخطيه.


للمرّة الأولى في تاريخ لبنان، ليس عيد الاستقلال موجّهاً لخارج استقلّينا عنه، وليس مناسبةً لتثبيت فكرة الدولة من خلال عرض رموزها وأدواتها. فهذا كان محصورًا في اليرزة. أما في باقي لبنان، فالعيد كان عيدًا لأشخاص يبحثون عن بعضهم بعضاً.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
الكنيست الإسرائيلي يقرّ ترحيل عائلات منفّذي العمليّات لمدّة 20 عاماً
إسرائيل تدمّر مبنى المنشية الأثري في بعلبك
جماهير «باريس سان جيرمان»: الحريّة لفلسطين
مطار بيروت يعمل بشكل طبيعي
فكشن

الدني بتهزّ، ما بتوقاع

عمر ليزا