منذ الأيام الأولى للانتفاضة الشعبية، أو الثورة، أو الحراك (وهنا التأويل الأول)، حضرت في النقاش العام مجموعة من التأويلات للتخوين.
أوّلاً، خرجت السلطة بتخوينها الأول من خلال خطابات زعمائها الطائفيين متّهمين المنتفضين في كافة الأراضي اللبنانية بتمويلهم من السفارات. عملت السلطة بإعلامها وأحزابها على خلق سيناريوهات لإحباط الانتفاضة، وربط حدوثها بتدخّلات خارجية من سفارات أجنبية. إذ وجد الثوار أنفسهم مجبرين على إثبات العكس من خلال استعراضات مثل حرق علم إسرائيل أو الاعتصام أمام السفارات الغربية.
ثانياً، في المرحلة التالية، جاء التخوين الطبقي. خطاب يصنّف المنتفضين بين طبقة وسطى وطبقة فقيرة، بحسب أساليب تعبيرهم عن العنف والمعارضة للسلطة. ويتجاهل كلَّ التنظيم السياسي والنقابي والتنسيق الذي خُلق خلال الثورة. فاعتبرت بعض المقالات أنّ قطع الطرقات هو استهداف الطبقة الوسطى من المنتفضين للطبقة الفقيرة منهم، التي كانت شرارة الانتفاضة في أيامها الأولى، متناسيةً أن الكثير من «قطّاع الطرق» هم عاملون بأجر أو عاطلون عن العمل. التخوين الطبقي نفسه يتماهى مع السلطة في موضوع العفو العام، ويضع المعارضين للعفو العام بصيغته الحالية الذي يخدم السلطة الفاسدة، في خانة الطبقة الوسطى، بصفتهم أعداء للطبقة الفقيرة المظلومة المطالبة بالعفو.
ثالثاً، وهنا يأتي تخوين النقد داخل الثورة، والذي يضع ضوابط لأي محاولة نقدية للثورة ومطالبة النقّاد بفرض رقابة ذاتية، كمحاولة تسمية نقد «بيروت مدينتي» أو الحملة ضدها بسبب اجتماعها مع قائد الجيش على أنها سلخ واغتيال معنوي وتخوين. صحيح أنّ التشهير مرفوض، لكنّ تعميم النقد على أنّه تشهير مضرّ للنقد و«ثقافة الاختلاف» وليس العكس.
إذًا، يحاول التخوين فرض طابع سياسي معيّن أو نزع طابع سياسي بحجة الاختلاف والتنوّع. ويعبّر عن جهل للطبقات الاجتماعية والعوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر على المنتفضين، ويساعد في إعادة إنتاج خطاب السلطة نفسه الذي يحرّض جزءاً من الطبقة العاملة على جزئها الثاني الثائر. وبالتالي، فإن الثورة بمواجهتها لخطاب السلطة التخويني، وبرفضها التام للمفاوضة معها، وبرفض أي قانون يصدر عنها ويبرّئها من جرائمها، يخلق بحدّ ذاته خطابًا سياسيًا يتبلور يوميًا في الشارع.