2022
سنة مرت ولم أكتب كلمة واحدة. لم أحلّل أيّاً من الأحداث التي مرّت ولم أجد متعة الكلام أو جدواه. سنة من «الخرس» وكان قلبي الصغير المجلّد يعصر نفسه ساعة تلو ساعة.
2020
الهزة الأرضية لم تنتهِ، وكنت أشعر أن كل الأماكن التي تطأها رجلي تشبه بهو مستشفى الروم، حيث «تفركشت» بأحد الجرحى ليلة الرابع من آب 2020، لأكتشف بعد ثوانٍ أنه ميت، فمه مفتوح وعيناه مقلوبتان ولا أحد يساعده، كالعشرات غيره. لم أفعل شيئاً حينها، قرّرت مساعدة نفسي، لملمت قلبي الصغير وحملته إلى مستشفى آخر حيث وجدت نفسي أقنع رجل الأمن أن قلبي الآخر يتقطّع على الطابق الرابع. فكل من أحبّهم أسمّيهم «قلبي»، وبعد ساعات قلت لأبي أنّ قلبي ضاع وقال لي لا تقلق، اليوم هيروشيما، غداً ناكازاكي، وبعد غدٍ نرفع الراية.
2021
بعد سنة وجدت نفسي في غرفة الطوارئ في مستشفى الجامعة الأميركية. حينها، كانت يدي مكسورة وقلبي يخفق بقوة، مثل خفاقة المولينيكس الأصليّة. يخفق بثقة. لم يكن قلبي مجلّداً، كان يسيل، كان أحمر، كان بخير. كنت أشاركه مع ما يُسمّى بـ«الحبّ القديم». كنت أنتظرها وهي تنتظرني، وبعد سنوات من الانتظار وجدنا أنفسنا في مستشفى.
كان الطبيب يراقبنا ويحلّلنا بصمت، ثمّ يقول لي أنت بخير… هي يداك.
رومانسيّة
لا رومانسية في يد مكسورة من قِبل حرس مجلس النواب. ولا رومانسية في حبّنا المشتعل بسنوات من التفكير والتغميز والتحضير. ولا رومانسية في الوداع قبل اللقاء. ولا رومانسية في مشاريع لن تتحقّق. ولا رومانسية في البقاء قيدَ الحياة. ولا رومانسية في عدّ الأيام. كيفما حلّلت، ستجد نفسك مقطّعاً أنت وقلبك المجلّد، وتعدّ أيّامك من داخل روزنامة اشتريها من إحدى الصديقات. قالت لي صديقتي صانعة الروزنامة أوّل السنة: فلتكن تلك الأيام وكل الأيام درساً لك ولقلبك في الصبر.
لمَ ينبغي عليّ أن أصبر؟ لا يجب أن نصبر حين نكون بلا رومانسية. وعن أي رومانسية أتكلم؟ الرومانسية كلها في أحلام أولاد يأخذون منا ما لم نحصل عليه.
ماذا تريد يا ولد؟
أريد العالم بأسره!
هل للأولاد أي حق باحتلال العالم؟
كائنات فضائيّة
نحن لاجئون في كل مكان، كائنات فضائية، من الفضاء خارج الإمبريالية من يمين ويسار الكوكب. بين يمين بوتين ويمين النازيين الجدد وبايدن المربك والخامنئي الـ«كابس ومش فارقة معه».
أستيقظ يومياً لأعاشر هذا الكوكب، لكنني أبقى نائماً في يقظتي، وانتظر قلبي ليستيقظ بعد ثماني ساعات دائماً. أنا إبن بعد الظهر لبنت الصباح. شمس غروبي البيروتي تعانق شمس شروق كاليفورنيا كل يوم. أنا هنا ولكنني فعلاً هناك.
بدأت مؤخراً أعتقد أنني لم أختبر شعور «الصبحية» قط في حياتي إلا في فصل الصيف حين يعود قلبي من سفره.
روق
أحاول أن أبقى هادئاً. أحاول ألّا أبالغ في أيّ ردّة فعل. جميعهم قالوا لي الكلام نفسه من قبل…
روق. فكِّر. حلِّل. روق. روق. روق. روق.
جميعهم قالوا عنّي «عصبي» ولكنهم جميعهم علموا أيضاً أنني حين أفقد أعصابي لا أقوم بإيذاء أحد غير نفسي. يقولون لي دائماً الحق مش عليك. روق، هو يلي بلش المشكل. روق، شو بدك تعمل جيلهم خرا. روق، بتشوف كتير وبتعيش كتير بعد. روق.
لا أريد الهدوء. أكره الصمت الغارز في رقبتي كالبرد في أول عاصفة في السنة، وأعشق المواجهة خصوصاً حين أرتدي ثوب المظلوم في رأسي. لكنني لست مظلوماً يبكي، بل مظلوم يغضب. يغضب، يفقد صوابه ويكسر كرسيّ مكتبه. المكتب نفسه الذي يحتضنني عند كل نكسة. سرير أفكاري المظلمة والمُبهّرة في آن واحد. تابوتي الصحافي.
بكرا
بكرا لنصير أغنى دولة بالشرق الأوسط، بكرا لنكسر العرق بالنفط، بكرا لنوزع كهرباء. أنتظر الـ«بكرا»، ولا يأتي. نضحك ونبكي وننعي ونقول أشياء تافهة مثل هالبلد بده واحد مثل صدام حسين أو عالقليلة بالحرب كنا نحس ببعض وغيرها من جمل الـ«طبطبة» بأنّ الأمور كانت لتكون أفضل لو كانت الحرب تجمعنا أو صدّام حسين يعيّشنا في نعيم ديكتاتوري.
جمل أخرى مثل إرجعي عالبيت هي من الجمل التي تعيدني دائماً إلى الحالة نفسها.
واسمع الكلام نفسه روق… بتعيش كتير… بتشوف كتير… بتسمع كتير… بدك تتحمل.
لمن نحمل كلّ تلك الأعباء على ظهورنا؟
كلّ شيء وكلّ نفس إلا أنفسنا.
سأقوم بقلب حياتي رأساً على عقب. سأعيش في بيروت بتوقيت كاليفورنيا دائماً.
أنام خلال ساعات عمل الانهيار اللبناني وأستيقظ خلال ساعات عمل قلبي الصغير المجلّد.