يصف دونالد ترامب كوفيد-19 بالفيروس الأجنبي.
تمشّط القوّات النمسويّة ممرّاتها الجبليّة للتأكّد من عدم تسلّل أيّ إيطاليّ عبر الحدود الفاصلة بين البلدَيْن.
يعتدي مواطنون على آخرين من أصول آسيويّة في أكثر المدن تنوّعاً واختلاطاً في العالم كنيويورك ولندن.
تُصدر جامعة بيركلي الأميركية، معقل يسار ستّينات القرن الماضي، إرشاداتٍ صحيّة لطلّابها تعدّد فيها ردود الفعل الشائعة جرّاء انتشار الوباء: عدم القدرة على التركيز والنوم، اضطرابات نفسيّة، غضب و… كراهية الأجانب.
يزداد الإقبال على شراء أسلحة فرديّة في كاليفورنيا: آسيويّون يتحسّبون للاعتداءات العنصريّة، وآخرون يتوجّسون من شغبٍ آتٍ.
ينتشي بعض دعاة المحافظة على أمّنا الأرض من انخفاض نسب الغازات الملوّثة فوق الصين وإيطاليا إثر توقُّف دورة الحياة فيهما.
يقارن كاتب في صحيفة التلغراف البريطانية ما بين الإنفلونزا الإسبانية (1918) ووضعنا اليوم، فيخلص إلى أنّ الأثر الاقتصادي للوباء قد يكون إيجابياً بعض الشيء على المدى الطويل من خلال قتله الانتقائيّ للمسنّين المُعالين.
الكلّ متخفٍّ اليوم تحت أقنعةٍ واقية وقفازاتٍ إلا العنصريّة (قوميّة، عرقيّة، بيئيّة، اقتصاديّة). خلعت العنصريّة قفازاتها وجالت العالم، جنباً إلى جنب الفيروس، بلا أقنعتها المعهودة. انتشرت نزعات تدميريّة مع الوباء أقرب ما تكون إلى النزعات العدوانية البَدئية. سلّط الوباء الضوء على ملامح شخصيّة نرجسية بدائيّة تسعى إلى المحافظة على النفس من خلال ادّخار ورق التواليت.
تزامن كلّ ذلك مع سقوط أيّ وازع أخلاقي أمام الوباء الذي أعاد تدوير أفكار داروينيّة اجتماعيّة عن البقاء للأصلح وتطهير المجتمع من الأجساد الضعيفة والمسنّة. هنالك أفواه بحاجة لطعام، وأجساد بحاجة لعناية، لكنّها بلا يدَيْن للإنتاج. عبءٌ صافٍ على مجتمع محدود الموارد، حسب المنطق الكمّي الاقتصادي.
الخلاصة: عنصريّة عدوانيّة + نرجسيّة لا عقلانيّة + اختزال الإنسان بقدرته الإنتاجيّة.
تلبْنَن كوفيد١٩ مباشرةً، وهو الذي لا يفرّق بين البشر ولا يعترف بحدود بلدانهم. خشّ في النسيج الاجتماعي الأهلي قبل انتشاره البيولوجي. قسّم حاملي الجنسية اللبنانية طائفياً ومناطقياً ووحّدهم على «الغرباء» الضعفاء المقيمين بينهم، فدعا البعض إلى عزل المخيّمات السورية والفلسطينية، كإجراء حماية من الوباء.
وبعدما نصبّت وسائل إعلام النظام نفسَها شرطةً أخلاقيةً بعد 17 تشرين، عيّنت نفسها اليوم شرطة صحّة عامّة. أعلنت الحرب على الوباء. وبما أن الحروب حالات طوارئ، سمحت لنفسها من عليائها الأخلاقية أن تجرّد من خرج لنزهة على الكورنيش من عقلانيّته، فرديّته، وإنسانيته (بلا مخ، يخرجون كالقطعان)، مشجّعة على التشهير بالذين خرجوا من بيوتهم ومعاقبتهم. لا يختلف اثنان على ضرورة الحفاظ على الصحّة العامّة. ولكن بأي حقّ تنصِّب وسيلة إعلامية خاصّة خاضعة لمعايير السوق (نسبة مشاهدة البرامج، الربح، الإعلانات) نفسها مدّعياً عامّاً صحّياً حربيّآً يحرّض المواطنين والمواطنات على الوشاية ومعاقبة بعضهم بعضاً؟
ها نحن نشهد عودة هزليّة- عبثيّة لشعارنا الأثير «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة». فبعدما لوّحت به «الأنظمة التقدّميّة» في معركتها مع الاستعمار وأدّى وظيفته الفعلية بتخوين كلّ من عارضها، وتلقّفته ميليشيات الحروب الأهلية لإسكات من وقف بوجه حروبها الصغيرة، يعود الآن بحلّة تناسب زمننا النيوليبرالي: مخصخص، موضّب، مستفزّ، طموحه التحوّل إلى «ترند».
يطرح انتشار الكوفيد-19 أسئلة سياسيّة ملحّة وصعبة:
ما الثمن الذي علينا دفعه للوقاية من الوباء؟ هل يمكننا صون الحياة من دون عسكرتها؟ كيف نكافح الوباء والانزلاق نحو العنصرية والفاشية معاً دون تأجيل المهمّة الثانية لما بعد حلّ «التناقض الرئيسي» مع كوفيد-19؟… لكي يتبقّى على هذه الأرض، لمن سيبقى، ما يستحقّ الحياة.