أحبِط كثيرون بعدما فشلوا في منع انعقاد الجلسة غير الدستورية لمجلس النواب التي سمّوها جلسة اللاثقة. على المستوى التقني، لم يفشل المتظاهرون. ذلك أنّ الجلسة لم تنعقد بالنصاب الدستوري، وما تمّ كان خرقاً جديداً للدستور من قِبل نبيه برّي ووليد جنبلاط. لكن لكي نردّد على طريقة ثوّار العراق لا ما نُحبَط! لا ما نُحبَط، علينا أن نواجه خطأَيْن استراتيجيَّيْن ارتكبتهما الثورة، يمكن إصلاحهما بالتأكيد.
يكمن الخطأ الأوّل في عجز الثوار على مدى شهرين، أو عدم رغبتهم، في تسمية مجموعة أسماء تمثّلهم لتشكيل حكومة الثورة. كانوا يطلبون من سلطة مجرمة فاسدة ثاروا عليها تشكيل حكومة للثورة! حينها فقدنا المبادرة الثورية. لذا وعندما أتى البروفسور صار على الثورة أن تجري وراء حكومته المسخ. لكن عندما ينحصر تكتيك الثوار بمنع مجلس النواب من الانعقاد، فإنّ ما يقومون به لا يعدو كونه يعطي سلطة أمر الواقع شرعيةً بالمعنى المعكوس للكلمة، لانّ مطالبتها يسبغ شرعيةً عليها. وهذه الشرعية تصبح متحقّقة أمام شريحة هائلة من المودعين الصغار الذين ما زالوا يأملون باستعادة أموالهم، والذين يقف معظمهم في موقع الوسط بين الثورة والسلطة. لذا، فإنّ المشكلة في يوم 11 شباط لا تكمن في اللاثقة، بل في أنّ الثوار سمّوها «جلسة» اللاثقة. اعترفوا أنّها «جلسة». وباتت سلطة أمر الواقع هي التي تحدّد جدول أعمال الثورة بدلاً من العكس.
يجب أن نستعيد المبادرة. ولهذا، من الضروري على الثورة أن تفرض نفسها لاعباً أساسياً في المسألة المالية. الهجوم السافل على الصحافي محمد زبيب بعد دوره النضاليّ في إعلام اللبنانيين بما يحدث، يشي بعصبية المُمسِكين بالقرار المالي إذا ما اقتربت الثورة من هيكلهم المدنِّس. بيت القصيد هنا هو سندات اليوروبوندز المستحقّة خلال أسابيع. عندما تبيع المصارف قسما من هذه السندات المستحقة للخارج مقابل سعر يُعلن بانه 77 دولاراً للسند في مقابل أن يعاد شراؤه من قبل مصرف لبنان بعد شهر بـ100 دولار، فهذا يعني أمراً واحداً، هو أنّ البائع قال لمن سيشتري أنّه متأكّد أنّ الدولة اللبنانية ستشتري السندات بالسعر هذا، أي أنّ هناك «تطمينات» أعطتها المصارف لمن اشترى. لكن من أعطى هذه التطمينات؟ نتكلّم هنا عن ملايين الدولارات. هذا يعني أيضًا أنّ الاشتباك العلني بين رياض سلامة وبين البروفيسور دياب الذي سُرِّب في الاعلام، هو الذي دفع المصارف لاعتماد هذا الخيار، ولو على حساب آخر 30 مليار دولار للمودعين. إنّه خيار شرعي قانونًا لأنّ السند لحامله، لكنّه بالتأكيد فعلٌ غير أخلاقي،. كما أنّ أموال البائعين وحملة الأسهم تمّ حتماً إبقاؤها في الخارج كي لا يُحجز عليها بفعل تدابير مصرف لبنان. نرى في كلّ هذا التعاون انعدام الكفاءة لدى البروفيسور وانعدام المسؤولية لدى رياض سلامة، وهما اللذان جاهرا بالخيارات ودفعا المصارف إلى هذا الفعل الخسيس.
بعيدًا من أهداف سريالية في بلد مفلس مثل إجراء انتخابات نيابية مبكّرة أو التصويب الدونكيشوتي من خلال مقولة «استعادة الأموال المنهوبة» مستحيلة التحقيق، يجب علينا اللعب في المركز المالي. لدينا أسابيع قليلة لتضع الثورة نفسها في مركز القرار لرؤية ما إذا كان هناك خيارات أخرى غير منع هذه الحكومة المسخ من دفع سندات اليوروبوندز في 9 آذار المقبل، والضغط على الزعماء الستّة الذين يختبئون خلفها.