مراجعة سينما
المنذر الدمني

«لعلَّ ما أخشاهُ ليسَ بكائنٍ»: محاولة لمواجهة الخوف والتصالح معه

23 نيسان 2022

رأسًا على عقب

انطلق العرض الجماهيري الأول لفيلم «لعلَّ ما أخشاهُ ليسَ بكائنٍ» لمخرجته كورين شاوي في المهرجان الدولي للأفلام الوثائقية (شاشات الواقع). 

أول ما يلفت في الفيلم هو اسمه المأخوذ من بيت شعر لأبي العتاهية يقول: 

ولعلّ ما تخشاه ليس بكائن 
ولعلّ ما ترجوه سوف يكون
ولعلّ ما هوّنت ليس بهيّن 
ولعلّ ما شدّدت سوف يهون

بيت شعر يبعث على الطمأنينة ويدعو لتكسير مخاوف قد لا تكون موجودة. لكن المخرجة غيّرت صيغة المخاطب في البيت إلى صيغة المتكلّم، ليبدو مقولة موجهة إلى الذات، تهيئنا بها إلى دخول حكاية ذاتية. وتشبه هذه الحكاية بسردها شجرة مقلوبة رأساً على عقب، كبوستر الفيلم، شجرة حياة مقلوبة، أغصانها بمثابة جذور، تعطي معنى مزدوجاً لدلالاته.

يبدأ الفيلم بمشهد لشجرة تكسوها قشور يابسة تحاول المخرجة أن تزيل عنها الطبقة اليابسة لتصل إلى جذعها ذي اللون الأرجواني الجميل. وتمتدّ هذه المشاهد طيلة الفيلم لتكتسب رمزيتها مع سير الحكاية عبر إزالة الطبقات اليابسة في حيوات أفراد العائلة وصولاً إلى حقيقتهم الصافية.


حوار مع المرض

يرصد الفيلم فترة حساسة في حياة عائلة المخرجة، هي فترة محاولة علاج والدها الذي أصيب بالشلل، وما عكست هذه الأزمة الصحية على حياة العائلة وذوات أفرادها، وخصوصاً ذاتها هي كابنةٍ وكحبيبةٍ وكمخرجة. ويقدّم الفيلم الحكاية بطريقة سلسة هادئة بكاميرا ثابتة أغلب الوقت تجعلنا نشعر وكأننا نجلس ونراقب ما يحدث أمامنا.

نتابع حكاية العائلة عبر مشاهد المشفى التي تصور قلقاً واضحاً من قبل العائلة تجاه الأب، وتصور بؤس الأب تجاه وضعه الحالي. لكنّنا نراهم بصورة محبة وعفوية يحاولون كل الوقت المزاح والتعامل مع الحادثة وكأنها ليست حدثاً جللاً. تتوازى مشاهد المشفى مع مشاهد في سيارة ترصد بوحاً صادقاً لأفراد العائلة الذين يعبّرون عن مشاعرهم الحقيقية ورؤيتهم الذاتية لهذه الحادثة وكيف أثّرت على طبيعة حياتهم ككل، وما أحدثت في ذواتهم من خراب وبؤس. 

تكون المخرجة هي المحاورة في هذه المشاهد. تسأل فقط وتسمع الأجوبة. لكننا ندخل إلى ذاتها عبر مشاهدها مع الحبيبة التي تبدو بصورة هادئة تبحث عن ملامح متعة، تبحث عن خصوصيتها وعن ذاتها التي تعيش ذوباناً بين دورها كابنة قوية تساعد والدها في مصيبته ودورها كفرد واعٍ في العائلة تسمع وتستوعب ما يشعرون به رغم قسوته. 


الرقص مع الموت

ننتقل إلى عدة مشاهد لمقبرة تظهر تباعاً في الفيلم تكمل بها كورين شاوي رؤيتها الإخراجية الفنية التي تعكس إحساسها ورؤيتها للعالم عبر حكاية عائلتها، حيث نشعر بوجود الموت دائماً معنا، قادماً لا محالة. لكن وجوده لا يمنعنا من المحاولة الدائمة للنجاة والبحث عن المتعة والجمال والحب. 

تختم شاوي الفيلم في مشهد فريد من نوعه في المشفى، حيث ترقص أمها على أغاني شعبية يستمتع بها والدها عبر لقطة طويلة مليئة بالألفة والعفوية، تجعلنا نرتبط عاطفياً مع هذه العائلة. تكون النهاية غير تقليدية لكنها واقعية جداً لكل ما قد نعيشه في الحياة حيث لا نهاية سعيدة بالمطلق، لكن هناك دائماً مساحة لممارسة الحياة بأصغر تفاصيلها.


هذه النوعية من الأفلام قد تكون معرضة بشكل كبير للتورط بالذاتية المفرطة التي تجعل المتلقي غير معني بالموضوعة أو الحكاية المطروحة، وهذا ما تجنبته كورين في فيلمها. فقد قدّمت حكاية ذات طابع وجودي يطرح ثنائية الموت والحياة، ويناقش عبثية المرض وما قد يفعله في الحياة من تغييرات جذرية مليئة بالخوف وطمس الذات على حساب التورط في الرغبة بإنقاذ العائلة. هي حكاية عن عائلة تبحث عن نجاتها الخاصة في دوامة الحياة العبثية، عبر رؤية إخراجية تسعى لتكسير حجم الخوف الذي نواجهه تجاه الحياة وحتمية نهايتها. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
إسرائيل تدمّر مبنى المنشية الأثري في بعلبك
جماهير «باريس سان جيرمان»: الحريّة لفلسطين
مطار بيروت يعمل بشكل طبيعي
فكشن

الدني بتهزّ، ما بتوقاع

عمر ليزا
37 شهيداً في عدوان يوم الثلاثاء 5 تشرين الثاني 2024