بينما ينشغل اللبنانيّون بالحجر الذي فرضه عليهم انتشار وباء الكورونا، تتسارع الجهود لتمرير مشروع قانون تنظيم الكابيتال كونترول، الكفيل بتشريع إجراءات الحجر التي جرى فرضها على ودائع اللبنانيين في المصارف.
جرت محاولاتٌ لتسويق مشروع القانون على أنّه محاولة لتنظيم إجراءات ضبط السيولة بشكل عادل، والتخلّص من الاستنسابيّة في تطبيقها. لكن بحسب المسوّدات التي جرى تسريبها، والتعديلات التي طرأت عليها، يتبيّن أنّ هدف مشروع القانون ليس سوى تشريع الإجراءات المتّخذة حاليّاً من جانب المصارف لحمايتها، مع إضافة بعض الإجراءات التي لا تهدف إلا إلى إراحة ميزانيّات المصارف على حساب قيمة ودائع اللبنانيّين وسعر صرف الليرة.
فمشروع القانون تشرّع بنودُه القواعد القائمة حالياً بين المصارف والمودعين، والتي أعطاها تفاهم المصارف مع عويدات الغطاء القضائي، ولعلّ أهمّ تلك القواعد هي:
حصر التحويلات إلى الخارج بالحاجات الشخصيّة الملحّة، والإبقاء على حريّة التحويل داخل لبنان حصراً.
إعطاء أصحاب الأموال الجديدة (Fresh Money)، حصراً، حريّة التصرّف بأموالهم.
تمّ تحديد سقف السحوبات بالليرة اللبنانيّة بالضبط عند المستوى الذي تعتمده المصارف حاليّاً.
يكمن التغيير الفعلي والوحيد في المشروع من خلال البند الذي ينصّ على تفويض مصرف لبنان إصدار التعاميم اللازمة لتمكين العملاء من سحب ودائعهم المقوّمة بالدولار من خلال تحويلها للّيرة اللبنانيّة، وفق سعر الصرف المعتمد لدى الصرّافين.
هذا البند يعني عمليّاً حثّ المزيد من المودعين على التخلّي عن ودائعهم المقوّمة بالدولار الأميركي، من خلال سحبها بالليرة اللبنانيّة. يشجّعهم على ذلك رفعُ سعر الصرف عند السحب من السعر الرسمي المعتمَد حاليّاً (بحدود 1515 عند بيع الدولار في المصرف)، إلى سعر الصرف المحدّد من مصرف لبنان للصرّافين (بحدود الـ2000 ليرة). علماً أنّ سعر الصرف الفعلي في السوق السوداء تخطّى في الأيام الأخيرة مستوى الـ2500 ليرة للدولار.
النتيجة الأولى لهذه العمليّة هي السماح للمصارف بترشيق ميزانيّاتها، عبر التخلّص من عبء الودائع القائمة بالدولار الأميركي بعد تخلّي المودعين عنها. أمّا الكلفة، فسيتمّ توزيعها على طرفين: الطرف الأوّل هو المودع الذي سيخسر جزءاً من قيمة وديعته يوازي الفارق بين سعر الصرف الفعلي في السوق السوداء وسعر الصرف الشكلي الذي يحدّده مصرف لبنان للصرّافين. الطرف الثاني هو عموم المستهلكين الذي سيواجهون تحليق سعر الصرف الفعلي عالياً بعد أن تتحوّل كلّ السيولة المسحوبة بالليرة إلى طلبٍ على الدولار في سوق الصرف السوداء.
ما الهدف إذاً من هذا الاستعجال في تشريع الإجراءات القائمة أساساً، والتي تملك الغطاء القضائي من عويدات؟
تعلم المصارف أنّها على أعتاب تدهور كبير في تصنيفها الائتماني، وهو ما سيضاعف من قدرة المودعين الأجانب على تحريك الدعاوى القانونيّة بحقّها في الخارج. من الطبيعي إذاً أن تبحث المصارف في هذه الفترة عن غطاء قانوني محلّي يسمح لها بالاستمرار في هذا النوع من الإجراءات، دون أن تكون هدفاً سهلاً للمودعين في المحاكم الأجنبيّة، خصوصاً أن جزءاً وازناً من موجودات المصارف قابعٌ تحديداً في مصارف الولايات المتحدة.
وهكذا، فإنّ كلّ ما يستهدفه القانون فعليّاً هو تشريع عمليّة حجر الودائع القائمة، لتعزيز شبكة الحماية القانونيّة للمصارف. حتّى التعديل الوحيد الجدّي الذي تمّت إضافته- السحب وفق سعر صرف جديد- يصبّ في النهاية في مصلحة ميزانيّات المصارف لترشيقها، وتفادي اللجوء إلى عمليّات اقتصاص منظّمة من الودائع أو الرساميل بسبب الفجوة القائمة اليوم في الميزانيّات.