تحليل انتخابات 2022
جان قصير

«نحنا فينا»: وهمٌ قوّاتي على أنقاض 17 تشرين 

30 آذار 2022

الشعار ذاته

كان من الممكن للقوّات اللبنانيّة أن تستبدل شعارها الانتخابي بوحدها بتحمي الشرقية القوات اللبنانيّة.

فلا جديد في المضمون، سوى نزع الصبغة الطائفيّة عن شعارها القديم. فما زالت القوات تقارب السياسة بنفس الطرح الذي اشتهرت به منذ الحرب: وقت الجدّ لا مكان سوى لمنطق القوة وشدّ العصب الطائفي. أمّا الباقي، أي انتفاضة 17 تشرين وما تمثّله من طروحات جذريّة، فهو لعب ولاد

تحاول القوات فرض هذا المنطق منذ أحداث الطيّونة لطيّ صفحة الثورة واستبدال شعار كلّن يعني كلّن بشعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، أي معركة مواجهة حزب الله. فتعدّد الوعود الفارغة لا يخفي أنّ سياسة القوات قائمة على فكرة واحدة: نحن الأقوى لمواجهة حزب الله. تستكمل القوّات، بهذا المعنى، مسار الثورة المضادة، التي بدأها حزب الله عبر التهديد والتخوين والتشبيح. فرغم الخلاف بالسياسة، تتشارك القوات مع خصمها هدف القضاء على المساحة السياسيّة الجذريّة والمناهضة للمنظومة، من خلال حصر المواجهة السياسيّة بينهما. كانت القوات قد بدأت بهذه الثورة المضادة عبر شيطنة خصوم حزب الله التقدميين، كالطلاب العلمانيين في الجامعة اليسوعية والنقيب عارف ياسين، عندما باتوا ينافسون القوات في ملعبها.

يطمح شعار «نحن فينا» إلى رسم خطٍ تاريخي مستقيم، من الـ1975 حتّى اليوم، حول عنوان السيادة. بيد أنّ هذه السردية تشوبها انتقائيةٌ تاريخية، تمحو الإخفاقات والهزائم والتسويات والجرائم، كما تتجاهل أداء القوات بعد العام 2005، عندما شاركت في المحاصصة ضمن حكومات الوحدة الوطنيّة إلى جانب حزب الله، وتحالفت معه في انتخابات بلديّة ونقابيّة عدّة، وأتت بحليف حزب الله الأولّ لرئاسة الجمهورية، ودعمت سياسات الحريري وسلامة الاقتصادية التي أوصلتنا إلى انهيار

استفادت القوات اللبنانية من ضعف الثورة التنظيمي وعجزها للتصدي للنهب وسياسات الإفقار وهيمنة حزب الله. لكن لم تملأ هذا الفراغ إلّا بحالة خطابية هشّة، حدودها مشروع مسيحي ضيّق، يقوم على نفس الرهانات الإقليمية، ولا يصلح إلى استعادة وطن. فشعار «نحن فينا» لا يطمح لبناء وطن، بل لتوحيد البندقية مسيحيًا ومجدّدًا…


الرهان على السعوديّة

يشكّل الرهان على السعوديّة ركنًا أساسيًا في استراتيجية القوات اللبنانية لمواجهة حزب الله. فرغم تبنّيها العلني لخيار الحياد، تراهن القوات على صراع المحاور عبر التماهي التام مع المعسكر المعادي لإيران. لكن تجربة الرهان على صراع المحاور أتت نتائجها كارثيّة على البلد أوّلاً، وعلى خصوم حزب الله ثانياً. فالتقارب السعودي- السوري عام 2009 فرض زيارة سعد الحريري إلى دمشق وتطبيع العلاقات مع بشار الأسد. 

أمّا اليوم، فثمّة تحوّلات إقليميّة شبيهة، في ظلّ الحديث عن اتفاق نووي بين إيران والدول الغربيّة وعودة العلاقات بين السعوديّة وإيران من جهة، وتطبيع العلاقات بين الإمارات وبشار الأسد من جهة أخرى. فهل تستطيع القوات اللبنانية المموّلة والمدعومة من السعوديّة التمرّد على داعمها الأوّل في حال فُرضت التسوية مع حزب الله؟ يبقى مشروع القوات لمواجهة حزب الله رهينة صراع المحاور، ويعزز موقع لبنان كحجر شطرنج بصراعات إقليمية. 

أضف إلى ذلك أنّ إضعاف نفوذ إيران في لبنان لن يعني نهاية حزب الله. فهناك اعتبارات اجتماعية وتاريخيّة تعزز موقع حزب الله ضمن النسيج اللبناني، تتطلّب تحوّلات اجتماعيّة ضمن الطائفة الشيعيّة لإضعاف هيمنة الحزب. وكانت هذه التحوّلات قد بدأت بالظهور بعد انتفاضة 17 تشرين، ولن تستطيع سوى حالة وطنيّة لاطائفيّة مواكبتها.


استحالة الحالة الوطنيّة

تحاول القوات اللبنانية تصوير نفسها كحزب وطني يستطيع قيادة حالة شعبيّة وتحالف سياسي عابر للطوائف والمناطق لمواجهة حزب الله. تراهن القوات على تزايد شعبيّتها المسيحيّة جرّاء أداء العهد الكارثي والانطباع الإيجابي تجاه نوّابها ووزرائها عند البعض. كما تحاول الاستثمار بالدعم السعودي لوراثة سعد الحريري سنيّاً، ولبلورة زعامة وطنيّة يلتف حولها معارضو حزب الله من جميع الطوائف.

إلّا أن هذا المشروع الطموح يبدو متعثّراً من أصله. فلم تستطع القوات حتّى اليوم تخطّي الإطار المسيحي واستقطاب شريحة واسعة من الجمهور السنّي. ورغم هجوم جعجع العنيف على حزب الله، ودعم السعوديّة العلني له، لم تحصل المبايعة السنّية التي حلمت بها القوات، ومن المرجّح ألا تحصل، إما بسبب الإحباط الذي قد يدفع شريحة واسعة من الناخبين السنة إلى المقاطعة، أو بسبب غدر القوات بسعد الحريري كما يرى البعض، أو بسبب تاريخ القوات الدموي خلال الحرب.

فمعركة مواجهة حزب الله التي تلوّح بها القوات، ستبقى محصورة ضمن خطوط التماس القديمة، أي داخل الشارع المسيحي. فلا يستطيع مشروعٌ كهذا استرجاع البلد وتحريره من هيمنة السلاح، بل يبدو أفقه الوحيد السيطرة على الشارع المسيحي.


المسيحيّون ليسوا «بالجيبة»

لكنّ مشروع السيطرة على الشارع المسيحي، يبدو أيضاً متعثّراً. فلم تسلّم القوات اللبنانيّة حتى الآن بالتقلّب في مزاج شريحة واسعة من الشباب المسيحي، وحاولت مراراً احتواء هذه الحالة وتقديم نفسها كعرّاب للثورة. 

فبعد حراك الـ2015 تصدّرت «بيروت مدينتي» نتائج الانتخابات البلدية في الأشرفيّة. ومع انتفاضة 17 تشرين، باتت شريحة واسعة من الجمهور المسيحي ترفض ابتزاز القوات والعونيين، وتطمح إلى مسار سياسي جديد وأكثر جذرية، متمسّكة بخيارات سياديّة واصلاحيّة في آن معاً، وليست مستعدّة لتسليم رقبتها لأحد. 

وبعد انفجار 4 آب، لم تتدارك القوات التململ الشعبي من الحالات الحزبيّة الانتهازيّة. فبقي نوابها في المجلس النيابي، ولجأت القوات إلى أسلوب عنجهي في المناطق المنكوبة عبر تعليق الأعلام الحزبيّة والقيام بعروض شبه عسكريّة، الأمر الذي استفزّ الكثيرين. كما لم تتبنَّ القوّات معركة العدالة بجديّة، محافظة على خط الرجعة مع باقي الفرقاء السياسيّين. رغم أنّ أحداث الطيّونة نجحت في شدّ العصب عند البعض بسبب التململ من هيمنة حزب الله على البلد، لم تستطع القوات حتّى اليوم خلق «حالة» مسيحيّة عارمة، كما حصل مع عون عام 2005. 


ما زال الخيار الثوريّ مُمكناً

ما زال الكثيرون يطمحون لمشروع سياسيّ جديد، لا يخيّرهم بين السيّئ والأسوأ، وقد عبّروا عن ذلك من خلال الانتخابات النقابيّة والطلابيّة. ورغم الضعف التنظيمي للمجموعات المعارضة، وإخفاقاتها السياسيّة، تستطيع قوى 17 تشرين تقديم نموذج لمواجهة حزب الله والسلطة والمصارف في آن، نموذج يستطيع خلق حالة وطنيّة عارمة، من الشمال إلى الجنوب، عابرة للطوائف، ترى نفسها كضحية واحدة لنظام واحد. هذا ما لم ولن تستطيع فعله القوات اللبنانيّة.

فالخطر الحقيقي على حزب الله ليس القوات اللبنانيّة. لا بل قد تكون القوات هي الخصم المثالي لحزب الله: حزب طائفي شارك في الحرب، يشكّل جزءاً من محور إقليمي، ولا يستطيع منافسة حزب الله ضمن مناطق نفوذه. فما يخشاه حزب الله هو قيام حالة وطنيّة عابرة للطوائف والمناطق والطبقات، تحمل مشروع السيادة والعلمانيّة والعدالة الاجتماعية، تلك الحالة التي سعى حزب الله لإخمادها منذ أوّل أيام الانتفاضة، عبر قمع المنتفضين في الجنوب وعزلهم عن باقي ساحات الوطن. 

ما زالت الفرصة ممكنة لمواجهة القوات وحزب الله وغيرهما من أحزاب السلطة، شرط أن تقدّم المجموعات المعارضة طروحات سياسيّة شجاعة وواضحة حول سبل التغيير وكيفيّة مواجهة المافيا والميليشيا في آن، طروحات تستطيع تفكيك وهْم القوات كخيار براغماتي، وإقناع الناخبين بواقعيّة الخيار الثوري. 

 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
نتنياهو يهدّد المحكمة الجنائية وكل من يتعاون معها
حدث اليوم - الخميس 21 تشرين الثاني 2024
21-11-2024
أخبار
حدث اليوم - الخميس 21 تشرين الثاني 2024
25 شهيداً في عدوان يوم الأربعاء 20 تشرين الثاني 2024
3,583 شهيداً، 15,244 مصاباً
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 21/11/2024
هكذا أصبح نتنياهو وغالانت مطلوبَيْن للعدالة