الاعتراف بعالم مختلف
اعترفت إيرلندا وإسبانيا والنرويج رسميًا بدولة فلسطين. هذا ليس الاعتراف الأول، فهناك أكثر من 140 دولة تعترف بدولة فلسطين. كما أنّه ليس الاعتراف لأوروبي الأول، وإن كانت معظم الدول الأوروبية التي اعترفت بفلسطين قد فعلت ذلك قبل عضويتها في الاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع أن تليه اعترافات إضافية، لتبقى «دول المركز»، ومن بينها الولايات المتّحدة وفرنسا وبريطانيا، ممانعة لهذا الاعتراف. هناك، إذن، عالم بدأ يعترف بجغرافيا جديدة، وهناك «دول المركز» التي ما زالت تحاول التمسّك بجغرافيا الاستيطان، وإن كان ثمنها إبادة.
الاعتراف بدولة أخرى
قرار الاعتراف أحاديّ الجانب، حسب وزير الخارجية الإيرلندي، نابع من رغبة الدول الثلاث بإجراء «تحوّل نموذجي أساسي». فهو يعكس مفهوم الدولة الذي حرّك «حلّ الدولتين» ومسارها التفاوضي. فشكّلت الدولة والاعتراف بها مادة لابتزاز الطرف الفلسطيني وتطويعه للقبول ليس بالتفاوض وحسب، بل أيضًا بالواقع الاستيطاني الذي فرضته السلطات الإسرائيلية على مدار السنوات. أما الاعتراف الحالي، فيكسر العملية الابتزازية هذه، لكي يفرض شكل الحلّ ويوقف عملية «التأجيل اللانهائي» للدولة الفلسطينية. كما يحوّل طبيعة الدولة، من واحدة ناتجة عن تفاوض ابتزازي، كالتي رأيناها مع السلطة الفلسطينية، إلى أخرى، نابعة عن الحق المطلق بتقرير المصير.
الاعتراف بسلامٍ آخر
تأتي موجة الاعترافات الحالية لتعاكس مسارًا آخر، هو مسار التطبيع الخليجي واتفاقيات أبراهام، والتي كانت قد فصلت مسار السلام العربي عن المسألة الفلسطينية. كان هذا المسار يفترض خفوت هذه القضية، لكي يجعل «السلام» مرادفاً لاتفاقيات أمنية وتدابير اقتصادية، ومفصولًا عن أيّ حلّ عادل أو حتى مفهوم للعدالة. وما زالت رواسب هذا التفكير ظاهرةً في بعض المقترحات الأميركية لإدارة مستقبل القطاع، والتي تحاول البحث عن حل أمني عربي-إسرائيلي خارج أي مقاربة للعدالة أو الاعتراف بأن هناك إبادة تجري. في موازاة هذا التاريخ، ثمّة اعترافات تعيد تمركز الموضوع حول حل عادل يبدأ بالاعتراف بدولة فلسطين، وهو ما فشل المسار التفاوضي أو التفاوض العربي في تحصيله.
اعترافٌ آخر
في موازاة هذه الاعترافات، هناك اعتراف آخر، أقلّ ضجيجاً أو أثراً، أخد شكل استكمال مسار تطبيع العلاقات بين النظامين السعودي والسوري، مع تعيين سفير للمملكة في دمشق، بعد سحب آخر سفير منذ نحو 13 سنة. يأتي هذا الاعتراف بعد مسار طويل من التطبيع، أعيد من خلاله تمثيل سوريا في جامعة الدول العربية من خلال نظام الأسد، ليصبح الاعتراف العربي بالأسد شبه مكتمل. يأتي هذا الاعتراف السعودي بنظام الأسد في اللحظة ذاتها التي أقرّت فيها محكمة الجنايات في باريس السجن المؤبّد لثلاثة من كبار ضبّاط مخابرات النظام السوري بتهمة التواطؤ بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانيّة ضدّ سوريَّيْن فرنسيَّيْن. يبدو أنّه يمكن الاعتراض على الإبادة والتطبيع مع إبادة أخرى بالوقت ذاته، هذا من إبداعات الأنظمة العربية.
من بين ما عرّته الإبادة، ومن قبلها الثورات العربية، التمثيل العربي الرسمي، هذا التمثيل الذي سيبقى العائق الأساسي أمام أي حل عادل لفلسطين أو المنطقة.