تحليل السعودية
نبيل الخوري

التطبيع السعودي-الإسرائيلي بعد 7 أكتوبر

تأجيل ظرفيّ لرغبة دائمة

8 تشرين الأول 2024

بحذر وتريُّث تعاملت المملكة السعودية مع مسألة تطبيع علاقاتها مع إسرائيل قبل عملية «طوفان الأقصى». عندما وقّعت كل من الإمارات العربية المتّحدة والبحرين والمغرب والسودان اتفاقيات «أبراهام»، برعاية الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب، كان السؤال المطروح يتمثل في معرفة ما إذا كانت السعودية ستركب القطار نفسه، أم أن مسارها سيكون مختلفاً لأن شروطها ومحاذيرها مختلفة؟ عشية «7 أكتوبر»، ساد انطباع بأن التطبيع السعودي-الإسرائيلي بات وشيكاً، وذلك بعد الإعلان، على هامش قمة «مجموعة العشرين» في نيودلهي في 9 أيلول 2023، عن اتفاقية بين الهند والسعودية والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي ودول أخرى لإنشاء ممر تجاري استراتيجي يربط شبه القارة الهندية بمنطقة الشرق الأوسط وأوروبا. وما عزّز هذا الانطباع هو الموقف المعلن الذي لم يُخفِ نيّة السعودية التطبيع إن استجابت كلٌّ من واشنطن وتل أبيب لشروطها. كان ذلك قبل السابع من أكتوبر، وبعد سنة على طوفان الأقصى، يبقى سؤال التطبيع مفتوحًا: هل ساهمت عملية «7 أكتوبر» في وضع حدّ نهائي لمشروع التطبيع بين السعودية وإسرائيل؟ أم أدّت لتأجيله ظرفياً؟ وهل فرضت حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل شروطاً جديدة للتطبيع، من دون أن تبدّد الرغبة المشتركة في تحقيقه؟


فشل «دبلوماسيّة التواطؤ»

لعل النتيجة الأولى التي حققتها عملية «طوفان الأقصى» تتمثل في إفشال ما يسميه الباحث الفرنسي، برتران بادي، بـ«دبلوماسية التواطؤ» (La diplomatie de connivence)، أي الترتيبات والصفقات التي تتمّ خلف الكواليس بين القوى العالمية المهيمنة والنخب الحاكمة لتحقيق منافع اقتصادية محددة، وذلك على حساب مصالح وحقوق شعوب. لكن «دبلوماسية التواطؤ»، من خلال إقصاء أمم، تفشل في حل المشكلات والمسائل الدولية والإقليمية التي تعود وتنفجر بوجه «المتواطئين»، كما انفجرت في «7 أكتوبر» بوجه الاحتلال الإسرائيلي، وبوجه المطبّعين معه أيضاً. 

ومن تجليات «دبلوماسية التواطؤ» مسار التطبيع العربي-الإسرائيلي. ارتبط هذا المسار بالسياسة الخارجية لترامب الذي طرح رسمياً ما يسمى بـ«صفقة القرن» في 29 كانون الثاني 2020، بوصفها خطة سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، مع أنها تنطوي على انحياز كلي لصالح إسرائيل. في السنة نفسها، بدأت بعض الدول الخليجية والعربية توقّع ما يسمى بـ«اتفاقيات أبراهام»، التي دشّنت عملية تطبيع علاقات هذه الدول مع إسرائيل برعاية أميركية. الإمارات العربية المتحدة وقعت اتفاقية مع إسرائيل في 13 آب 2020، مع أن الشائعات تفيد بحصول تطبيع غير رسمي بين البلدين، قبل ذلك التاريخ. وحذت البحرين حذوها في 11 أيلول. وأعلن السودان موافقته رسمياً على التطبيع في 23 تشرين الأول، قبل أن تنضمّ المملكة المغربية رسمياً إلى قافلة المطبّعين في 22 كانون الأول. 

على الرغم من المواقف المعلنة لهذه الدول حول تمسكها بحقوق الشعب الفلسطيني، إلا أن اتفاقيات التطبيع كانت تعني بحكم الواقع التضحية بالمسألة الفلسطينية على مذبح المصالح الأمنية والتجارية. لعلّ التعاون الأمني، أو تعزيزه ببعض الأحوال، هو أكثر ما نتج عن «اتفاقيات أبراهام» التي يمثّل التعاون الثنائي في مجال الدفاع والأمن والاستخبارات والمراقبة والتجسس ومكافحة «الإرهاب» أحد أبرز بنودها. 

مثلاً، تتعاون شركة «الصناعات الدفاعية الإماراتية» (إيدج) وشركة «الصناعات الجوية الإسرائيلية» (IAI) في مجال «تصميم وتصنيع سلسلة سفن غير مأهولة من فئة M-170»، تُسْتَخدم لغايات عسكرية ومدنية وتجارية، وكذلك في مجال تطوير نظام متقدم للدفاع ضد المسيرات الحربية. ثمة مذكرة تفاهم بين مجموعة «EliteCISOs» العالمية التي تتخذ من الإمارات مقراً لها، ومؤسسة «Cyber Together» وهي منظمة غير حكومية إسرائيلية، للتعاون في مجال الأمن السيبراني، من خلال المنصة الرقمية «Crystal Ball» المتخصّصة في رصد الاختراقات والهجمات السيبرانية ومكافحتها. أما التعاون المغربي-الإسرائيلي، فقد بلغ مرحلة متقدمة، مع إبرام صفقة بقيمة مليار دولار تقريباً، في العام 2023، تنصّ على تزويد شركة «الصناعات الجوية الإسرائيلية» (IAI) المغرب بقمر صناعي استخباراتي. وذلك بالإضافة إلى التعاون العسكري في مجال «الاستعلام والدفاع الجوي والحرب الإلكترونية» و«الصناعة الدفاعية ونقل التكنولوجيا». كذلك مملكة البحرين تتعاون مع إسرائيل في مجال الاستخبارات والصناعات الدفاعية.


ترامب وسياسة الابتزاز

لا يمكن فصل خيار التطبيع عن سياق اتّسم بسياسة الابتزاز والإغراء التي اتبعها ترامب. فمنذ وصوله إلى البيت الأبيض، اتّبع استراتيجية أمن قومي تقايض الحماية التي توفرها الولايات المتحدة بالمال الذي تمتلكه الدول الثرية، مثل دول الخليج، تحت شعار أنه يتوجب على هذه الدول أن تدفع ثمن دفاع أميركا عنها. والأنظمة الخليجية بأمسّ الحاجة للحماية الأميركية بوجه التهديدات الخارجية، لا سيما «التهديد الإيراني» والاضطرابات الداخلية المحتملة. مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية في العام 2020، كان ترامب بحاجة إلى إنجاز ليسوقّه في الحملة الانتخابية بوجه منافسه جو بايدن. فأتت اتفاقيات التطبيع في ظل ضغط كبير مارسته إدارة ترامب على الدول المعنية، ملوِّحةً لها بـ«المنّ والسلوى» وبتعاون أمني يحمي الأنظمة، لا سيّما من معارضيها في الداخل.


التردّد السعودي: التطبيع بشروط

على الرغم من الإصرار الأميركي، لم تكن استجابة السعودية مشابهة لغيرها من الدول. وهي أرضت ترامب بصفقة دفاعية ضخمة بقيمة تفوق الـ450 مليار دولار. لكنها لم تمنحه «مكسب» التطبيع مجاناً، من دون مقابل. فالتطبيع السعودي مع إسرائيل لن يكون بمثابة استدارة عادية في السياسة الخارجية، بل تحوّل استراتيجي في الشرق الأوسط، نظراً إلى موقع ومكانة السعودية الإقليميّين المختلفَين مقارنة مع الدول الأخرى المُطبِّعة. لذا، وعلى الرغم من أن الرياض تقدّر جيداً منافع التطبيع الاقتصادية والاستثمارية، ومع أنها تدرك أيضاً منافع التعاون الأمني والاستخباراتي و«السيبراني» بمواجهة التحديات الداخلية والخارجية. إلا أنها لم تكن تنوي التطبيع رسمياً من دون أثمان. وكانت تتبنى هذا الموقف حتى قبل عملية «طوفان الأقصى». مطالب الرياض الأساسية كانت تتمحور حول تعزيز قدراتها العسكرية والحصول على أسلحة أميركية متطورة. وزاد إصرارها في هذا المجال بعدما أخفقت إدارة ترامب في توفير الحماية للمنشآت النفطية التابعة لشركة «أرامكو» السعودية التي استهدفها الحوثيون، حلفاء إيران، في أيلول 2019، في تطور أظهر عدم فاعلية «الضمانة الأمنية الأميركية» للسعودية. 

كذلك، وفي خطابها المعلن، كانت تطالب بإيجاد حل للمسألة الفلسطينية كشرط للتطبيع. هذا ما يظهره تصريح وزير الخارجية السعودية، فيصل بن فرحان آل سعود، من برلين في 19 آب 2020، بعد أيام من توقيع اتفاقية التطبيع الإماراتي-الإسرائيلي، بقوله إن الرياض لن تطبّع العلاقات مع تل أبيب قبل إبرام اتفاق سلام إسرائيلي-فلسطيني شامل على أساس المعايير التي حددتها المبادرة العربية للسلام عام 2002 وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة.

لكن ثمة مؤشرات ظهرت قبل عملية «7 أكتوبر» أوحت بأن قطار التطبيع السعودي-الإسرائيلي كان على وشك الانطلاق، أبرزها زيارتان لوزيرين إسرائيليين إلى السعودية. الأولى لوزير السياحة، حاييم كاتس، في 26 أيلول. الثانية لوزير الاتصالات، شلومو كارعي، في الأول من تشرين الأول 2023. وسبق ذلك انتشار أنباء في تشرين الثاني 2020، عن لقاء بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في مدينة نيوم السعودية. وهو لقاء، إنْ حصل فعلاً، يدل على استعداد الطرفين للتطبيع، المشروط طبعاً. 

والحال أن بن سلمان لا يخفي نيّته تطبيع العلاقات مع إسرائيل يوماً ما. فهو قال في حديث لمجلة «أتلانتيك» الأميركية، في 3 آذار 2022: لا ننظر لإسرائيل كعدو، بل ننظر لهم كحليف محتمل في العديد من المصالح التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معاً، لكن يجب أن تُحَلّ بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك. 


تشدُّد سعودي بعد «7 أكتوبر» والإبادة

يُعتَبر نزع صفة العدو عن دولة إسرائيل خطوةً متقدّمةً على طريق التطبيع. بيد أن ما قبل «7 أكتوبر» ليس كما بعده. فقد قرّرت السعودية تجميد مسألة البحث في التطبيع، بحسب ما أوردت وكالة «رويترز» في 13 تشرين الأول 2023، نقلاً عن «مصادر مطلعة». هكذا، تبدّل خطابها. بدأ الكلام عن شروط سعودية خاصة، مثل امتلاك قدرات نووية، ودفاعية كبيرة، بالاتفاق والتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية. كما برز تشديد الدبلوماسية السعودية على رسالة مفادها أن أحد أبرز شروط التطبيع يتمثل في التزام إسرائيل بمسار جدّي يقود إلى قيام دولة فلسطينية. ففي كانون الثاني 2024، وجهت الرياض رسالة واضحة لأميركا والغرب، على لسان سفيرها لدى المملكة المتحدة، الأمير خالد بن بندر بن سلطان بن عبد العزيز، ومفادها أنها مهتمة بالتطبيع مع إسرائيل لكن ليس على حساب الشعب الفلسطيني. كذلك، حديث محمد بن سلمان لدى افتتاحه أعمال السنة الأولى من الدورة التاسعة لمجلس الشورى، في 18 أيلول 2024، جزم بأن السعودية لن تقيم أي علاقات دبلوماسية مع إسرائيل من دون قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. 

استُكمِل هذا الموقف بمبادرة دبلوماسية غير مسبوقة تتمثل في إطلاق السعودية ما أسمته «التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين» بمشاركة دول عربية وإسلامية وأوروبية. وسيُعقد اجتماعه الأول في السعودية، بحسب ما أعلن وزير الخارجية السعودي، بن فرحان، في 27 أيلول، على هامش مشاركته في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. فهل تناور السعودية أم تقصد ما تقوله؟ وهل من شأن هذا التشدد السعودي أن يدفع إسرائيل إلى تقديم تنازلات بشأن الدولة الفلسطينية؟ في هذا الصدد، ثمة جدل لم يُحْسَم بعد. فهناك من يعتبر أن إسرائيل باتت أكثر تشدداً ضد وجود دولة فلسطينية في جوارها. وفي المقابل، ثمة من يعتقد أنه بعد «القضاء» المفترض على «حماس»، قد تقتنع إسرائيل بأن لا مفر من قيام دولة فلسطينية لن تكون على الأرجح سوى منزوعة السيادة وتحت سيطرة أمنية إسرائيلية (أو دولية؟).

حاجز آخر بات تجاوزه أصعب ممّا كان عليه قبل «7 أكتوبر»، يتعلق بالشرعية الرمزية للسعودية أمام الرأي العام العربي والإسلامي. فهي لن تفرّط، بوصفها دولة تطمح إلى زعامة العالم الإسلامي، بالشرعية التي تتمتع بها خارج حدودها. أي شرعيتها في العالم العربي الإسلامي، التي يساهم في تغذيتها وجود الأماكن المقدسة، مكة المكرمّة والمدينة المنوّرة، على أرضها. بعد «7 أكتوبر» وحرب الإبادة في غزة ومقتل أكثر من 40 ألف فلسطيني هناك، من المستبعد أن تُقْدِم السعودية على خطوة من شأنها التأثير سلباً على هذه الشرعية. ناهيك بأن محمد بن سلمان قد يجد صعوبة في إقناع الداخل السعودي بالتطبيع من دون حل المسألة الفلسطينية، وتكريس «الانقلاب» على السياسة السعودية التقليدية حيال هذه المسألة، في ظل الإبادة. 


عودة إلى الموقف التقليدي؟

منذ تأسيس المملكة، كانت الدبلوماسية السعودية تنظر إلى القضية الفلسطينية بوصفها قضية العرب المركزية، قبل أن يُدخل بن سلمان تعديلاً واضحاً عليها. كان الملك المؤسس، عبد العزيز آل سعود، معارضاً بشدة للسياسة البريطانية الهادفة إلى تسهيل عملية «بناء وطن قومي لليهود في فلسطين»، قبل 1948. ويُقال إن السعودية قدمت مساعدة فنية للدول العربية المشاركة في حرب حزيران 1967 ضد إسرائيل، ورفضت منذ ذلك الوقت الاحتلال الإسرائيلي لأراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة والجولان وسيناء. وخلال حرب «أكتوبر 1973»، استخدمت السعودية «سلاح النفط» وفرضت حظراً على تصدير النفط للدول التي كانت داعمة لإسرائيل. أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت في صيف 1982، ساهم الضغط السعودي في تجنُّب الهزيمة الساحقة لـ«منظمة التحرير الفلسطينية». وبعد تعثُّر مسار السلام الذي أطلقه مؤتمر مدريد في العام 1991، واتفاقية أوسلو في العام 1993، تبنّت قمة الدول العربية في بيروت، عام 2002، مبادرة أطلقتها السعودية، تُعرَف باسم «مبادرة السلام العربية» التي شكلت أساساً لحل الصراع مع إسرائيل. تنصّ هذه المبادرة على أن الدول العربية مستعدّة لإقامة علاقات طبيعية بين مع إسرائيل إذا استجابت الأخيرة للشروط الأساسية التالية: أن تنسحب الأخيرة «من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967» وأن تقبل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين. 

تتمسك الدبلوماسية السعودية رسمياً بهذه المبادرة حتى اليوم، مع أنه ومنذ العام 2015، أي بعد استلام الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم، وتعيين ابنه محمد بن سلمان ولياً للعهد، حصل تبدّل في الأداء السعودي. صحيح أن الملك الحالي شدد في خطابه على أن القضية الفلسطينية هي قضيتنا الأولى وستظل كذلك حتى حصول الشعب الفلسطيني الشقيق على جميع حقوقه المشروعة، وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، كما جاء في كلمته أمام القمة العربية في مدينة الظهران، في 15 نيسان 2018، وهي القمة التي أُطْلِق عليها «قمة القدس». إلا أن أداء نجله، ولي العهد، الذي تعامل مع «التهديد الإيراني» كأولوية في السياسة الخارجية، بالتوازي مع تكريس الاهتمام لمسألة تطوير وتحديث الاقتصاد والمجتمع السعودي، أعطى الانطباع بأن ثمة تحوّلاً في السياسة السعودية، يتمثل في تهميش المسألة الفلسطينية. 

خطاب جديد ظهر إلى العلن، أوحى بأن الحقوق الوطنية الفلسطينيين باتت قابلة للتصرف، في المنظور السعودي. هذا ما تظهره تسريبات صحافية لكلام منسوب لمحمد بن سلمان في آذار 2018، خلال لقائه ممثلي منظمات يهودية أميركية، في نيويورك، ومفاده أن القضية الفلسطينية ليست في سلم أولويات الحكومة ولا الرأي العام في السعودية، وأن هناك قضايا أكثر إلحاحا وأهمية كإيران، بحسب ما ذكرت وسائل إعلامية. أو أن الوقت قد حان كي يقبل الفلسطينيون ما يعرض عليهم، وأن يعودوا لطاولة المفاوضات وإلا فليصمتوا وليتوقفوا عن التذمر، بحسب التسريبات. بعد ذلك اللقاء وتلك المواقف، تعززت الفرضية القائلة إن التطبيع السعودي-الإسرائيلي خيار جدّي.


التريُّث... بعد الإبادة

لكن بعد حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل، لم يعد هناك من خيار أمام السعودية سوى التريّث. وما تشبّثها بضرورة قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، إلا تعبيراً عن إصرارها على تنفيذ حل سياسي شامل للمسألة الفلسطينية كشرط مسبق للانتقال إلى مسار التطبيع. فمن أهم الدروس التي يمكن استخلاصها من عملية «7 أكتوبر»، أن الاستقرار الإقليمي مستحيل من دون حلّ المسألة الفلسطينية بشكل عادل. وهذا الاستقرار يمثل أولوية بالنسبة للسعودية التي تتطلع إلى التحديث والتطوير الاقتصادي في ظل مناخ إقليمي هادئ، ولمَ لا في ظل تصفير المشاكل في الإقليم. 

أما إذا كان الاستقرار الشامل غير ممكن، فإنّ السعودية تسعى، على ما يبدو، إلى النأي بنفسها قدر الإمكان عن الاضطرابات الإقليمية التي يمكن أن تؤثر على وضعها الداخلي وعلى خطتها للنهوض الاقتصادي، وذلك من أجل الحد من الأضرار. وما المصالحة التاريخية بينها وبين إيران في بكين، في 10 آذار 2023، إلا دليلاً على أن القيادة السعودية تريد تحييد التهديدات والمخاطر عبر الخفض الكمي والنوعي للتوترات مع إيران والحوثيين في اليمن. وهي لا تريد العودة إلى المواجهة مع طهران وحلفائها. وهذا ما يبرر عدم استعجالها، بعد كل ما حصل منذ  «7 أكتوبر» للتطبيع مع إسرائيل.   

الكرة إذاً في الملعب الإسرائيلي. كلما أفرطت دولة الاحتلال في نسف شروط بناء دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، وكلما واصلت حرب الإبادة، تقلصت إمكانية السعودية على التخلي عن شروطها حول حلّ المسألة الفلسطينية كشرط لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. فإنْ خُيِّرَت الرياض بين استمرار مأزق مسار التطبيع وبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، من المرجح أن تفضل الخيار الثاني.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
16,200 شخص في نظام الأسد متورّط بارتكاب جرائم ضدّ الشعب السوري
السلطة الفلسطينية تحتجز 237 عنصراً رفضوا المشاركة بعمليّة جنين
القوّات الإسرائيليّة ترفع علم الاحتلال عند مدخل الناقورة
12 شاحنة مساعدات فقط دخلت شمال غزّة خلال شهرين
287 خرقاً إسرائيلياً لوقف إطلاق النار
فيدان والشرع عن قسد: لا مكان للسلاح خارج الدولة