بصورة أوضح: اعتماد الخصخصة كباب من أبواب إنقاذ القطاع المصرفي بالمال العام.
بعض هذه المشاريع المطروحة يُعنى باستثمارات في قطاعَي الكهرباء والخليوي، فيما يتركّز بعضها الآخر على استثمار مشاعات الدولة وأملاكها البحريّة.
مع الإشارة إلى أنّ ما تقوم به اللجنة المنبثقة عن حكومة ميقاتي ليس سوى استكمالاً لعمل خطّة حكومة دياب نفسها، التي نصّت في ذلك الوقت على بيع عقارات الدولة وتأسيس شركة لاستثمار الأصول العامّة، كأحد البنود المخصصة لمعالجة فجوة الخسائر في ميزانيّات مصرف لبنان.
نموذجان لفشل واحد
خلال الأيام الماضية، برز إلى الواجهة نموذجان كفيلان بتبيان مصير هذا النوع من المحاولات. ويمكن القول أن النموذجين يشكلان بروفا تظهر نتيجة أي عمليّة خصخصة في ظل الانهيار الحاصل، من جهة عائداتها المتوقّعة مقارنة بالخدمات أو الأصول التي تتمّ خصخصتها.
النموذج الأوّل: مناقصة وزارة الأشغال العامّة والنقل لتلزيم إدارة وتشغيل محطة الحاويات في مرفأ بيروت
اعتمدت الدولة اللبنانيّة منذ 2004 على نموذج تلزيم هذه الخدمة لمصلحة الشركات الخاصّة. انتهى عقد الشركة التي تشغل المحطّة حاليًّا في آذار 2020 دون أن يتمّ تنظيم مناقصة جديدة. وبعد أن طرحت وزارة الأشغال المناقصة مؤخّرًا، ومع انتهاء المهلة الممنوحة لتقديم العروض في 11 كانون الثاني الماضي، فشلت الدولة في تأمين ثلاثة عروض تسمح بالأخذ بنتائج المناقصة. ولهذا السبب، مدّدت الوزارة مهلة تقديم العروض حتّى نهاية الشهر الحالي لإنقاذ مسار التلزيم.
النموذج الثاني: شركات مقدّمي خدمات قطاع الكهرباء
انتهى عقد الشركات في نهاية العام الماضي. في حالة هذه العقود، التي يتحاصصها أقطاب النظام السياسي بشكل كامل، فضّلت الوزارة الالتفاف على القانون لتمديد هذه العقود لنحو سنة ونصف دون إجراء أي مناقصة. تحجّجت الوزارة بتداعيات الانهيار المالي الحاصل، والذي لا يسمح للشركات بتأمين الكفالات المصرفيّة المطلوبة للاشتراك بأي مناقصة جديدة. لكن في الوقت نفسه، كان تمديد العقود مناسبة لإعادة التفاوض مع هذه الشركات لزيادة صلاحيّاتها وعوائدها، بالرغم من فشلها المريع في تقديم الخدمات المطلوبة منها، وهو ما يطرحه وزير الطاقة والمياه حاليًّا في خطته المقدمة لمؤسسة كهرباء لبنان.
باختصار، لم يسمح الوضعان المالي والنقدي باستقطاب عدد كافٍ من الشركات الأجنبيّة والمحليّة للمنافسة على نيل التلزيم. وإجراء مناقصة على هذا النحو، وفي ظروف ماليّة كهذه، لا يعني سوى التفريط بالقطاعات المعنيّة بهذا التلزيم بأبخس الأثمان، مع انعدام المنافسة المطلوبة وعدم توفّر عروض تنافسيّة متعددة.
خصخصة من أجل المصارف
في خلاصة التجربتين، لا يمكن لعمليات الخصخصة في مثل هذه الظروف أن تمثّل باباً من أبواب استفادة الدولة بالشكل المناسب لسببين:
- تداعيات الانهيار التي ستؤدّي إلى تخلّص الدولة من قطاعاتها بأبخس الأثمان، بغياب شهيّة الشركات وتنافسها الحقيقي على العقود في أي مناقصة.
- طبيعة الجهة التي تدير هذه الصفقات، أي النظام السياسي المحكوم بمنطق المحاصصة.
أمّا أهم ما في الموضوع، فهو أن الخصخصة اليوم ستمثّل ثمناً مدفوعاً لإخراج النظام المصرفي من محنته، لتخفيض الكلفة التي سيتم دفعها من رساميل القطاع. وهذه النتيجة، بمعزل عن رأينا المبدئي بالخصخصة كنهج في التعاطي مع القطاعات العامّة، لم تعد مقبولة في هذه الأيّام حتّى بمنطق النظام الرأسمالي نفسه، ناهيك عن منطق العدالة الاجتماعيّة الذي يفترض أن يحكم نظرتنا للأمور اليوم.