إطفاء خسائر القطاع المالي من الأموال العامّة
لا يحتاج المرء إلى كثير من التحليل ليتلمّس معالم المرحلة المقبلة، من ناحية برنامج عمل الحكومة.
- مطلوب استقدام الدعم الأجنبي لخطّة الحكومة الماليّة.
- باب من أبواب استقدام هذا الدعم هو في مشاريع الخصخصة والشراكة مع القطاع العام.
- هناك شهيّة عند الشركات الأجنبيّة تجاه تلك المشاريع.
- تشكّل أيضًا هذه المشاريع إحدى الطرق للتعامل مع الخسائر ومعالجتها، والحصول على العملة الصعبة التي تحتاجها البلاد لذلك.
أما الإصلاحات التي لطالما تحدّث عنها المجتمع الدولي، فيمكن أن تتجاوزها الجهات الدوليّة المعنيّة بالملف اللبناني، أو أن تبدي بعض الليونة تجاهها إذا ما توفّرت المصلحة الاستثماريّة لذلك. حتّى صندوق النقد نفسه، قد يتغاضى عن عدالة توزيع الخسائر، ما دامت أولويته قد تم التعامل معها، وتحديداً استعادة الملاءة الإئتمانيّة للدولة.
لا تنحصر المشكلة في مبدأ الخصخصة أو الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بل في إدراج هذه المشاريع ضمن خطة التعافي للتعامل مع الخسائر. أي بصورة أوضح:
إطفاء خسائر القطاع المالي من الأموال العامّة.
لجان لتوزيع الخسائر
كان يمكن تلمّس هذا الاتجاه من خلال بعض التسريبات المتعلّقة بطبيعة التعديلات التي يتمّ العمل عليها في خطّة التعافي الماليّ، أو من توجّهات من يعمل على هذه التعديلات. لكنّ اللجان الوزاريّة التي تم تشكيلها خلال الأيام الماضية، والتي كانت باكورة أعمال الحكومة الجديدة، باتت تدلّ على ذلك بشكل أوضح:
لجنة وزاريّة لـقطاع الكهرباء
أزمة قطاع الكهرباء واضحة للعيان، ووضع خطّة للتعامل معها بات مسألة ملحّة أكثر من أي وقت مضى.
لكنّ الاجتماعات التي تجري مع وزارة الطاقة اليوم، لإدراج هذه الخطّة والاستثمارات الأجنبيّة المنتظرة منها، من ضمن خطّة التعافي المالي وآليات توزيع الخسائر، تعطي المراقب فكرة عن سبب الاندفاع لتشكيل هذه اللجنة بالتحديد، وبهذه السرعة. ببساطة: ستكون إيرادات خصخصة القطاع أو الشراكات مع القطاع الخاص أحد بنود إطفاء الخسائر المصرفيّة.
إشارة إلى أنّ هناك خطة موجودة أساساً لإدارة هذا القطاع، لكنّها تعثّرت طوال السنوات الماضية بفعل المصالح والصفقات المتضاربة للقوى السياسيّة الحاكمة.
لجنة وزاريّة لإعادة هيكلة الإدارة وإلغاء المؤسسات والمصالح المستقلّة
من حيث المبدأ، يفترض أن تكون عمليّة زيادة فعاليّة وكفاءة القطاع العام أولويّة لأي حكومة في هذا الظرف بالتحديد.
لكنّ البحث في إعادة الهيكلة وإلغاء بعض المؤسسات والمصالح، كباب من أبواب ترشيق القطاع العام، وقبيل الدخول في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، يدلّ على أن المطلوب من هذه الخطوة التحضير لهذه المفاوضات. فكان هذا المطلب بالتحديد على جدول أعمال المفاوضات السابقة مع الصندوق، دون أن يتمّ البتّ به لكون المفاوضات قد تعثّرت بأسرها لاحقاً، وهذا ما يشير إلى إصرار الصندوق على هذه النقطة.
وإذا ما ربطنا تشكيل هذه اللجنة بتصريحات رئيس لجنة المال والموازنة التي أشارت إلى ضرورة التعامل مع عدد الموظّفين غير النظاميين في الدولة، فيمكن أن يتبيّن سريعاً أن ثمّة توجّهاً لتحميل شقّ وازن من كلفة التصحيح المالي لعمليات ترشيق الدولة، بما فيها صرف موظفين من القطاع العام.
لجنة وزاريّة لـقطاع الاتصالات
يمكن للمرء أن يقتنع بضرورة إدارة الدولة لهذا القطاع، أو ضرورة تسليمه للقطاع الخاص بشكل نهائي، أو ربّما تلزيم عمليّاته وفق صيغ شراكة معيّنة.
لكن البحث في مستقبل القطاع «الذي يبيض ذهباً»، قبيل صياغة خطّة التعامل مع الخسائر وطريقة توزيعها، يدلّ مجدداً على أنّ عوائد تلزيمات هذا القطاع واستثماراته ستكون من ضمن المشاريع التي ستملأ فجوة الخسائر. وتؤكّد على هذا الاتجاه حماسةُ السفيرة الفرنسيّة والسفير المكلّف تنسيق المساعدات الدولية للبنان للقاء وزير الاتصالات اللبناني خلال الساعات الماضية.
إشارة إلى أن قطاع الاتصالات، بالتحديد، لا يمر بحالة انهيار شبيهة بقطاع الكهرباء. لا مبرّر إذاً للإصرار على البت بمستقبل القطاع خلال الأسابيع التي ستسبق وضع الخطة الماليّة الشاملة.
ملف «الصندوق السيادي»
بالإضافة إلى كل ما سبق، شملت اللجان الوزاريّة المستحدثة كل ما يمكن القيام به من مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص، والتي يمكن استخدام عوائدها لإطفاء خسائر المرحلة الماضية، كتأهيل مطارات في القليعات ورياق، ومعالجة النفايات المنزليّة.
وما إن تُنجز هذه اللجان تصوّراتها لهذه المشاريع، بالتوازي مع المفاوضات التي ستجري مع صندوق النقد الدولي، سيكون ملف «الصندوق السيادي» حاضراً كجزء من الخطة. وكما كان مخططاً في خطّة جمعيّة المصارف، سيتمّ تخصيص عوائد هذا الصندوق للتعامل مع خسائر المرحلة، بدل اقتصاص هذه الخسائر من الرساميل المصرفيّة.