بينما لبنان يحترق ونحن نغرق في الذهول من رداءة إدارة هذه الدولة لحياتنا، اختار نائب لبناني عن «التيار الوطني الحر» أن يقول لمنتقدي ملاحظته أن الحرائق تصيب أماكن إقامة المسيحيين: «اخرسوا». ثم اختار وزير وزّره التيار نفسه أن يقول لنائبة في البرلمان تسأله عن سبب رفع السلاح على المتطوعات/ين إلى جانب الهاربين من النار: وصلتي بطريقة مش أخلاقية وبعرف تاريخك. كلما أُعطي نائب أو وزير من «التيار» لحظةً من «مجد لبنان» التلفزيوني، يسارعون إلى الهجوم التطهري، ويجودون بالإشارات الجنسية كلما اختلفوا مع إمرأة.
ومع تردّي الوضع إلى درجة غير مسبوقة، إن بالملموس (كافة الخدمات + انقطاع الدولار + تعطّل الاسكان، مثلاً) أو بالمحسوس («انقبروا»، «اخرسوا»، «ما بدي إسمع صوتكن»، مثلاً)، بلغنا معهم مرحلة الزعيق بالبذاءة الإنكارية. يعلو ويوسّخ ويشرئب حتى يصبح الحوار حفلة سباب فيسارع المذيع لإنهاء الاتصال، كرجل يصيح ويشتم ويرمي يديه بالهواء مقفلاً أذنيه بحنجرته لينصرف عنه الناس، فينصرفوا.
وقد بات نواب ووزراء الحزب الحاكم متوقّعين. ننتظر السفالة في الكلام لنتأكد من الهوية السياسية. نحن الذي تعاملنا مع مجرمي الحرب وتجار الغفلة، لم نعتد ذلك. لم يأتنا حزبٌ منظّمٌ على ذلك من قبل. حتى هذه الوجوه الجديدة الجميلة التي تزيّن حكومتنا، كوزير المهجرين المذكور أعلاه، امتلكت كامل السلطة في أشهر انهيارٍ معدودة، كأنها ولدت لها. لم يأتِنا التيار بموظفين يؤدّون مهام، وإنما أتانا برجالٍ يجلسون على الكراسي كأنهم يجلسون في صدر صالون «دارتهم»، وعلى باب «منطقتهم» لافتةٌ تؤكد أنهم من حسن حظنا، نحن ولبنان. بهذه النفسية أتوا، وبهذه النفسية يتعاملون معنا. حققوا المجد وبرهنوا الكفاءة المطلقة بمجرد أن عيّنهم التيار، الأب الأكبر، في المنصب. وفي المنصب، هم سيتصدّون لكل الحقودين، المتآمرين، المقهورين من «نجاحي«.
حالةٌ استعراضية من حالات الذكوريّة، نصدفها في الشوارع والبيوت والبارات وسواها، كنا نسخر منها بوصف صاحبها: «قريع»، وقد امتلكت مداها وسادت الدولة. إنه انقلاب «القريع» على «شكل» الدولة، ولم تكن الدولة قبلها ملأى بالعباقرة، وإنما «الأسبقون» سعوا بعد الحرب إلى امتلاك شكل «رجال الدولة» ومواراة حالة «القريع» المتأصلة في معظمهم. العهد الجديد تميّز بتكريم «القريع» وتمكينه.
مع تفاقم هذه الحالة، بدأت تتكاثر في أحاديث الناس تساؤلات عن مدى «تركيز» الرئيس وجماعته معنا. يتساءل الناس عما إذا كان هذا فساداً فحسب كالذي اعتدناه، لكنه يأتينا هذه المرّة مكثقاً في وجهٍ جديدٍ مشحونٍ بمظلومية السنين خارج السلطة، أم أنه فسادٌ مصحوب بخبل؟ البعض يختار تسمية هذه الحالة بالديكتاتورية، لأنّ في ذلك ربما بعض الاحترام لنا كضحايا للديكتاتورية، لكنّ آخرين يجدون صعوبة في ملاءمة كل هذه البذاءة والانحلال مع أي شكل معرّف من أشكال الأنظمة الحاكمة. هنا، يبدو الحكم كمشهد عشوائي، يسير بتعليمات مجتزأة.
الحكم عشوائي، لكنّ سبل تعبيره ليست كذلك. هم يحكون بما نعرفه عنهم جيداً، نحن النساء. يحكون بعقودٍ من الإحساس بالتفوّق غير المبرر، والشهوة لفوقية السلطة، والحقد على من امتلكها، والعنف ضد من هدّدها. كلّ جهد يبذله أحدهم، يجب أن نشكره عليه. وكل ناقد، يجب أن «يخرس».
هالشرمو…، أسمعه يضبط لسانه كي لا يقولها على الهواء. ولكن إلى متى سيتمكن من ضبطه، وهنّ على هذا القدر من الوقاحة تجاه أسيادهن؟! هل سيتعيّن عليه أن يرد على المنتقدين، وعلى النساء أيضاً؟!
هي حالةٌ تنفجر بنا جميعاً، وبالنساء منا بتلذّذ خاص… وبعنفٍ خاصّ.
خبل، نعم. ولكن، بكلمة أكثر دقة، هي حفلة ذكورية مأزومة.