ما بسمح لأيّ عرص شبعان يقلي اصبر عالجوع
متظاهر، ساحة النور، 18 نيسان 2020
حوجة تشحدو. انزلوا ع الأرض
متظاهر، ساحة النور، 20 نيسان 2020
الثورة ماشية ورح نموّتكن فقع
طرابلسي متوجّهاً إلى السياسيّين، ساحة النور، 20 نيسان 2020
يستعيد الطرابلسيّون نسختهم المُغتالة من الثورة.
تلك التي عرفت السلطة اللعب عليها أحياناً، وتشويهها أحياناً أخرى. أمسكتْ بمنصّتها مبكرًا وخرقتْها بأجهزتها وجواسيسها. وها هي تستخدم مع الثورة 2، كلّ وسائطها المباشرة وغير المباشرة، لتخويف الناس منها: بالسلاح تارةً، وبالدبابات المصفوفة على كلّ جوانب الساحة تارةً أخرى، وبإعلام مقيت وخبيث مسيَّر بلغتها، وبأحكام مسبقة وجاهزة عن فقراء المدينة وناسها. أولئك الذين لا يندرجون تحت معايير إتيكيت الجوع وزمن الجائحة. كأنّ الثورة هي ربّة المشكلات ومسؤولة عن جوع اليوم والأمس وبعد غد، لا بل تكاد تكون سبباً للفيروس.
هذه الاستعادة الطرابلسيّة لها نبرة أخرى. تخرج من البطون الجائعة، ومن معدات لا تسكنها الشعارات ولا المساعدات ولا الحصص الغذائية ولا خطط الطوارئ. وبالطبع، لن ينفع معها الصبر. الجوع ليس كافرًا، الجوع كلب ابن كلاب. وله أنياب متوحّشة. ستخرج لتفقأ عيون السياسيين وتأكلها. فماذا تنتظر السلطة في هذه المرحلة؟ وهل يكفي قصر النظر لدى ساسة المدينة ومستشاريهم ليجعلهم يعتقدون فعلاً إنّ مهدّئات الإعانة هي حلّ وحيد سيعيد الناس إلى جحورهم؟
نحن أمام ثورة جوع وجياع. رأيناها بأمّ العين. امرأة تحمل خبزاً وتصرخ من جوعها، في مدينةٍ أُغلِقَتْ أفرانها وزُنِّرَت شوارعها بقوافل الجيش تنفيذاً لخطّة الكورونا.
الجوع فيروس المدينة، سيطلع من جوف الأسواق القديمة والحارات المنسيّة نحو جلود السياسيّين والبرجوازيّين والأوليغارشيّين. سيتسرّب إلى أفواههم وبيوتهم. ولا شيء سيوقف هذه الحشود إن خرجت.
ما قاله المتظاهرون في ساحة النور التي حاولت السلطة مَحْو آثار الاحتجاج ورموزه فيها، هو عكس ما توقّعتْه حكومة حسان دياب ورجال محمد فهمي. لغة الترهيب والإرهاب الأمني وتشبيحه ومسكنات بلدية طرابلس والجمعيات وفتات حيتان المال لن تجدي. الجوع لن يترك أحداً. الجائع لن يموت في غرفته الاسمنتية وعلى بلكونته، ولن ينتحر من سطوح مزروعة بأنتينات فولاذية. الجائع سيخرج كما رأيناه منذ أيام إلى الساحة. حتى لو أغلقت بجدران عازلة. سيقفز وسيصرخ. ولا تقولوا إنّ المدينة فيها وحوش. الوحوش طبقة، تعمل ليلاً ونهاراً على قمع الفقراء الذين سيخرج معهم عاجلاً أو آجلاً أولاد الطبقة الوسطى. هؤلاء سيجوعون قريباً. ولا حيلة لهم سوى الانتفاض والانضمام إلى مكانهم الطبيعي وحيّزهم الأوّل.
الفقير الجائع وابن الطبقة الوسطى الذي سيجوع قريباً، سيلتقيان معاً. ربّما في آخر شارع الحرية المؤدّي إلى ساحة النور، أو سينزلان معاً من ساحة الكورة، أو يأتيان من صوب مقهى الروكسي أو يصعدان من شارع البولفار أو المعرض. سيلتقيان وعدوّهم هو مَن يجوّعهم، وهو أيضاً مَن يشجّع على تجويعهم: العرص الشبعان.
ذاك العرص الذي كان يرى الثورة أقرب إلى الشعاراتيّة. يريد ثورةً مع كافيار وأركيلة وبلا نضال يذكر. مجرّد جمل فضفاضة تكرّر موضوع العيش المشترك في المدينة، وتنشد: لبنان رح يرجع.
لا، لبنان لن يرجع إن لم نَثُرْ. الثورة رقم 1، تلك التي عرفناها فلكلوراً ضاحكاً وراقصاً، ماتت. نحن أمام ثورة الجياع، تلك التي سترفع أصابع وسطى مُنهَكة لكن لا تنقصها الشجاعة، في وجه العرصات الشبعانين.
الجوع كافر والسلطة بنت حرام، والثورة ستقودها معدة.