أتابع الأخبار عن كثب، كمئات الآلاف غيري، متسمّرة أمام الشاشة طوال اليوم، أشارك الأحداث المستجدّة باستمرار عبر الهاتف حتى أفقد الشعور بأناملي.
فرحٌ عامر مع كل انتصار، مع كل ضربة صاروخ واستهداف لمستوطن واشتباكات في الاراضي المحتلة. ألمٌ مُشِلّ مع كل خسارة، مع كل خبر استشهاد جديد ومشهد لعائلة تشرّدت وخبر لاستهداف فلسطيني. غضبٌ عارم من تغاضينا المستمرّ بأنّ شعار «أنقذوا حي الشيخ جراح وأنقذوا غزة» لا يمكن فصله عن «أنصفوا اللاجئين الفلسطينيين في لبنان».
معادلة بسيطة وواضحة، ومن الواجب استذكارها الآن لإسقاط أي سردية تدعم فلسطين وتتجاهل وتفرض وتبرّر الحصار على الفلسطينيين في لبنان.
قام الجيش، في 14 أيار 2021، يوماً واحدًا قبل ذكرى النكبة، بمنع اللاجئين الفلسطينيين من المرور عبر حاجز على القاسمية في صيدا، أي قبل مخيم الرشيدية وبرج الشمالي والبصّ. منعهم من المرور وحتى العودة إلى منازلهم ومخيماتهم. كما قام بمنع الفلسطينيين من مغادرة مخيم عين الحلوة. ليست هذه المرّة الأولى التي يمنع فيها الجيش اللاجئين من التجوّل. ففي الـ2019، قام الجيش بمنع خروج التظاهرات من المخيمات ضد قرار وزير العمل وحملته العنصرية ضد العمالة «اللا شرعية».
وضوحٌ لا لبس فيه. نظام فصل عنصري مفروض على الفلسطينيين هنا في لبنان، يخطّه جدار المخيّمات. فبالنسبة إلى الجيش والسلطات اللبنانية، لا وجود ولا كيان للاجئين الفلسطينيين خارج المخيمات، وطبعاً لا أحقية لهم بقضيتهم.
أدرك انّ كلّ تركيزنا الآن يجب أن يكون مع شعبنا في فلسطين، من تنظيم المسيرات التضامنية والتحرّكات في اتجاه السفارات المطبّعة والتشبيك مع المخيّمات والمشاركة في المحافظة على الزخم على مواقع التواصل الاجتماعي لمواجهة الروايات الصهيونية.
الّا أنّ واجبنا، الآن تحديداً، أن نرفع مجدّداً في كلّ تحرّكاتنا وخطاباتنا ما يتمّ تخوينه في كل مرّة: كامل الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للفلسطينيين في لبنان.
لا يمكن أن نكون مع فلسطين لكن ضد الفلسطينيين في لبنان. ولا يمكن أن نسمح بسرديّة السلطة التي تستخدم الجنسية الفلسطينية كورقة سياسية لقمعهم وإقصائهم، والتي تطالبهم باستمرار بإثبات «إنسانيتهم» و«مساهمتهم» هنا للحصول على أدنى حقوقهم.
من هنا يبدأ النضال في لبنان دعماً للقضية:
- من دحر سياسات العنصرية والتهميش والتفقير والإقصاء بحق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
- من مواجهة وتفكيك عنصرية الخطاب السياسي المبني على الترهيب بالحرب الأهليّة لتبرير القمع المستمرّ.
- من مجابهة فوقية خطاب المجتمع المدني المُشَيطِن والمخوِّن للمخيّمات وحراكها، الغائبين من بياناته عن مشهدية فلسطين.
لا يمكن أن تكون انتقائياّ بالقمع الذي تستنكره، فالنضالات والحقوق لا تتجزّأ.
تضامننا اليوم هو مع الفلسطينيات والفلسطينيين في كل أصقاع الأرض، وليس فقط في فلسطين: تضامننا اليوم هو مع مخيم شاتيلا وصبرا ونهر البارد وعين الحلوة والرشيدية وبرج البراجنة ومار الياس واليرموك وغيرها.
وكما نوقن أن طريق القدس تمرّ بالاشتباك المسلّح وشرعية كل سبل المقاومة ضد الاستعمار الصهيوني، نعي أيضا أنّها، من هنا، تمرّ بالمخيّمات في لبنان وبإسقاط العنصرية المُمَأسَسة.
لذا، وقبل أن أعود الى تموقعي على تويتر، قالها الفلسطينيون مئات المرات: لا يريدون الاستيلاء على جنسيّتتنا اللبنانية وهويّتنا الفينيقيّة. اطمئنوا.
في مسيرة 11 أيار 2021 من مخيم مار الياس الى مخيّم شاتيلا، علا هتاف:
لا تجنيس ولا توطين، بدنا العودة عفلسطين.
يريدون تحرير أرضهم، وواجبنا أن يكون تضامننا فعلاً سياسيّاً واضح المعالم:
كامل الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للفلسطينيين في لبنان.