تواجه الجامعة الأميركيّة كمؤسسة خطرًا داهمًا يهدّد استمراريّتها، هذا ما أراد رئيس الجامعة الأميركيّة ومجلس الأمناء قوله في رسالتَيْن منفصلتَيْن. كان المضمون التحذيري كفيلاً بإثارة الخوف على الجامعة لدى شريحة واسعة من الذين يعنيهم أمر هذه المؤسّسة، خصوصاً وأنّ رئيس الجامعة بالغ في التهويل عند الحديث عن الضغوط الماليّة التي تواجهها الجامعة، وحاول اللعب على الوتر العاطفي بطرق عديدة.
فعلت الرسالة فعلها، ففاضت وسائل التواصل الاجتماعي بالتعليقات المتوجّسة والمتأسّفة على واقع الجامعة، فيما كان معظم الطلّاب والأساتذة أكثر حذراً في التعاطي مع الرسالة، لمعرفتهم أنّ وراء الأكمة ما وراءها.
في منتصف الصيف الماضي، تفاجأ طلاب الجامعة بتحويل قيمة فواتير الأقساط من الليرة اللبنانيّة إلى الدولار الأميركي، دون أن تبذل الجامعة عناء التواصل معهم لشرح ملابسات الموضوع وخلفيّته. لم تكن الليرة قد دخلت مرحلة السقوط الحر في ذلك الوقت، لكنّ الجميع فهم أنّ قرار الجامعة ارتبط بتطوّرات الأزمة النقدية التي كانت تتفاقم في البلاد.
احتجّ الطلّاب وتناقلت وسائل الإعلام الخبر، فناورت إدارة الجامعة من خلال تجاهل المسألة في البداية، ثمّ نفتها، ثمّ أقرّت بها لكنّها ربطتها بتطبيقات إلكترونيّة فرضت دَوْلَرة الأقساط، ثمّ أرادت دفن النقاش فاتّهمت كلّ من يتوجّس من هذه الخطوة بالتشكيك بسلامة الليرة ومستقبلها!
هذا التعنّت في طريقة إدارة المسألة، وانعدام الشفافيّة إلى أقصى حدود، لم يختلف عند مقاربة الكثير من المسائل الأخرى. فعلى سبيل المثال، تعاقدت الجامعة مع شركات خارجيّة لتزويدها بعمّال مياومين، للتملّص من الالتزام بحقوق عمّال دائمين لديها. ثمّ تخرج إلى العلن أخبار عن احتجاج المياومين على ظروف العمل والأجور وإيقاف خدمات بعضهم، فتتجاهل الجامعة المسألة برمّتها.
أمّا على جبهة الأساتذة والعمّال، فتكثر الاعتراضات على طريقة الإدارة في مقاربة المطالب بأسلوب التجاهل والمماطلة، خصوصاً حين يتعلّق الأمر بمستوى الرواتب والأجور المقدّمة لهذه الفئة، بعدما أكل التضخّم قدرتها الشرائيّة.
تعاطت الإدارة مع كلّ هذه الملفّات الداهمة كما تتعامل الشركات التجاريّة مع زبائنها وموظّفيها. حتّى طريقة تقييم البرامج وضرورة استمراريّتها كانت تتمّ وفق معايير الربح المادّي البحت. هذا المنطق بالتحديد هو ما أشار إليه كثيرون عند الحديث عن نمط «تسليع التعليم».
في ظلّ هذه الظروف، وفي وجه القضايا المطلبيّة الملحّة، جاءت رسالتا رئيس الأميركيّة ومجلس الأمناء. كان واضحاً أنّ أولى غايات هذه الرسائل هي إعلان «حالة طوارئ» أمام جميع هذه القضايا التي تواجهها الجامعة اليوم، على طريقة السلطات العربيّة المعروفة. وبشعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، يمكن إدارة الجامعة الذهاب بعيداً في إجراءاتها، ما دامت قد أطلقت معركةً وجوديّةً مصيريّة.
لم تُخفِ الرسالتان هذه الغاية، فجرى الحديث عن إجراءات مؤلمة سيتمّ اتّخاذها خلال الفترة المقبلة. وحين نتحدّث عن إجراءات مؤلمة، فهذا لن يعني عمليّاً سوى مستوى الأجور والأقساط والاستقرار الوظيفي. وعلى أي حال، كانت الرسالة واضحة أيضاً حين أعلنت أنّ «تحديد مستوى الأقساط» سيكون جزءًا من تدابير المرحلة القادمة.
يمكن التيقّن من هذه الغاية عند ملاحظة قلّة المعلومات والمعطيات التي أعطتها رسالة رئيس الجامعة، وخصوصاً عند شرح طبيعة الضغوط الماليّة التي يجري الحديث عنها. تفترض الرسالة أنّ مداخيل الجامعة ستنخفض بنسبة 60%، وهو افتراض غير مفهوم بالنظر إلى طبيعة هذه المداخيل القائمة على أقساط الطلاب وفواتير مرضى المستشفى.
باختصار، لا يمكن اليوم الحديث عن ضرورة الوقوف إلى جانب الجامعة، سواء كطلاب أو أساتذة أو خرّيجين، ما دامت إدارة الجامعة لم تجد نفسها معنيّة بعد بالتعامل الشفّاف مع القضايا المطروحة. وطالما أنّ ذلك لم يحدث، فالحديث عن المخاطر الداهمة ليس سوى طريقة للتمهيد للإجراءات القاسية بحجّة الظروف الاستثنائيّة.