تحليل تكنوقراط
علي هاشم

حسّان دياب: اللعب مع الكبار

8 تموز 2020

مَن يراقب حركة رئيس الحكومة حسّان دياب وتصريحاته، يلحظ سريعاً التبدّل في تعامله مع جمعيّة المصارف. بات الودّ يطغى على اجتماعاته مع رئيسها، وأصبح الحديث عن التعاون مع المصارف لإيجاد الحلول سيّد الموقف. والتعاون مع المصارف، بالتأكيد، لن يفضي إلى حلول من قبيل شطب رساميل أصحابها، على النحو الذي تحدّثت عنه خطّة الحكومة السابقة.

صار سليم صفير يحلّ ضيفاً على اجتماعات مجلس الوزراء، وأصبح يشعر بما يكفي من «الخوش بوشيّة» مع الوزراء ليمازحهم عبر الإعلام قائلاً إنّه مدعوّ إلى «كأس ويسكي» معهم في المجلس، لا بل صار صفير أيضاً عضواً في إحدى اللجان الوزرايّة الكثيرة التي يهوى دولة رئيس مجلس الوزراء تشكيلها للتعامل مع المشاكل، لمعاونة الحكومة في التعامل مع أزمة سعر الصرف. وفي اجتماعات جمعيّة المصارف، أصبح الحديث عن إيجابيّة المشاورات مع الحكومة سيّد الموقف.

يروي مستشارو دياب أنّه في أحد الاجتماعات التي شهدتها السرايا الحكوميّة، لم يجد دولته حرجاً في النظر إلى وفد جمعيّة المصارف مبتسماً، قائلاً إنّه لا يرى أنّ الحكومة مضطرّة إلى السير بالخطّة الماليّة التي وضعتها وصوّتت عليها سابقاً، فيما اكتفى المستشارون بتبادل النظرات الحائرة والقلقة إزاء تراجع رئيس حكومتهم عن الخطّة التي سهروا على صياغتها بعناية.

في الاقتصاد والخطط الماليّة والنقديّة، ثمّة ما يتحوّل في تعامل دياب مع المصارف. ولعلّ الرجل أدرك سريعاً سطوتها العابرة للكتل النيابيّة والقوى السياسيّة، بعد عرض العضلات الذي قدّمته في نتائج أعمال لجنة تقصّي الحقائق، والتي بعثرت أرقام خطّة حكومته. أمّا استقالتا مستشار وزير الماليّة ومدير عام الماليّة، فكانتا مجرّد إشارة إلى تداعي الخيارات التي تضمّنتها خطّة الحكومة، كنتيجة لهذا التراجع في موقف دياب وحكومته.

في السياسة، ثمّة تحوّلات من نوع آخر. فتحفل البيانات التي تلي اجتماعاته الوزاريّة بلهجةٍ تذكّر ببيانات «خليّة حمد» أيام الاحتلال السوري لمن يذكرها. تحفل البيانات بالحديث عن تدخّلات خارجيّة على شكل اجتماعات سريّة، ورسائل بالشيفرة وأخرى بالواتساب، ومخطّطات وأوامر عمليّات. يربط هبوط سعر الصرف بلعبة دولار مكشوفة ومفضوحة، وبجهات محليّة ودوليّة تعمل ليكون الاصطدام مدوّياً.

زايد دياب على الممانعين في تبنّي أدبيّات خطاب المؤامرة، والتهجّم على الدبلوماسيين الأجانب، وهي مسائل مستجدّة في نبرة دياب الذي حافظ حتّى الأمس القريب على لهجة المتّزن العارف بحراجة الوضع المالي للبلاد. هذه النبرة، بالإضافة إلى عراضات الاجتماعات المتّجهة شرقاً، لم تمثّل سوى إشارات واضحة من دياب إلى إعلانه الصريح والواضح للمكوث في خندق الممانعة، وتحديداً حزب الله الذي يتبنّى منذ البداية المقاربات التي ذهب إليها في تشخيص «الحصار» الذي تتعرّض له البلاد، والحلول المرتكزة إلى الانفتاح على الصين والعراق.

ماذا يفعل دياب إذاً؟

أدرك الجميع أنّ الحكومة فقدت عمليّاً أسباب بقائها بعد فشل مفاوضاتها مع صندوق النقد، ممّا سيؤدّي إلى تعثّر أي مسعى للحصول على أي دعم خارجي وازن آخر. كما لم يعد لدى الحكومة أي خيارات جديّة في ما يتعلّق بسبل التعاطي مع انهيار سعر الصرف، وأزمة الديون المتعثّرة، والفجوات الموجودة في القطاع المالي.

باختصار، لم يعد لدى معظم القوى السياسيّة سببٌ للتمسّك بالحكومة المفلسة، وما يبقيها اليوم هو عدم وجود أي بديل آخر حاضر.

ما يفعله دياب ببساطة هو الذهاب إلى الأقوياء على الساحة: إلى حزب الله وخياراته السياسيّة الاستراتيجيّة، أملاً بالحفاظ على كلمة سرّ الحزب التي تبقيه في موقعه، وإلى جمعيّة المصارف وخياراتها الماليّة ومقارباتها للمعالجة، أملاً في التخلّص من مشاكستها للحكومة وضغوطها عليها.

وبين هذا وذاك، سيدفع اللبنانيون كلفة بقاء الحكومة من الناحيتين. أولاً، من خلال تفويت فرصة تحديد الخسائر في النظام المالي ومعالجتها، وثانياً، من ناحية تبنّي طروحات المواجهة الإقليميّة التي يتبنّاها الحزب في عزّ الانهيار المالي.

عندما أتت الحكومة، كانت الميزة التي جرى تسويقها هي أنّ رئيسها وأعضاءها من التكنوقراط. لعلّ أكبر أزماتنا اليوم تكمن هنا بالظبط. فهم لا يملكون رصيداً شعبيّاً يخافون عليه عند الفشل، ولا يملكون مشروعاً سياسياً يجعلهم يتمسّكون بوجهة معيّنة في تعاملهم مع الأزمة. النتيجة اليوم هي تمسّك هذه الحكومة ورئيسها بالبقاء، مهما كانت الكلفة.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
فيدان والشرع عن قسد: لا مكان للسلاح خارج الدولة
تخطيط قيمة حياة فتاة عشرينيّة مقيمة في بدارو
وزير الدفاع الإسرائيلي يزور جنود الاحتلال في جنوب لبنان
وليد جنبلاط في سوريا
جيش الاحتلال يحاصر مستشفى كمال عدوان ويهدّد بإخلائه
الاحتلال يجرف بساتين الليمون في الناقورة