تعليق مصر
عبد الرحمن طارق

سجن بدر: غوانتانامو المصري

21 آذار 2023

هل السيسي كذَّاب؟

سؤالٌ أطرحه كثيراً على مؤيِّدي النظام، ولا أتلقّى إجابة منهم. يحوّلون الحديث دائماً إلى إنجازات الرئيس الوهمية، بالرغم من كذبه مراراً وتكراراً: في ادّعائه عدم الترشّح للرئاسة، ثم في ترشّحه للرئاسة، وفي حفاظه على الدستور ثم تعديل الدستور بما يمكّنه من البقاء في السلطة حتى عام 2030، وفي عدم رفع الدعم ثمّ حرمان معظم المصريّين منه. والأهمّ، في «عدم» وجود معتقلين بالرغم من آلاف المعتقلين في السجون.

هل السيسي كذَّاب؟ أجيب على هذا السؤال عبر طرح قضيةٍ، يموت فداءها- وأنتم تقرأون هذه الكلمات حالياً- شباب من خيرة أبناء مصر هم معتقلو سجن «بدر».


ادّعاءات السيسي

تحدّث السيسي كذباً عن «الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان»، وفي مداخلةٍ هاتفية مع برنامج «التاسعة» على التلفزيون المصري، أعلن التالي: إحنا هنفتح أكبر مجمّع سجون وده واحد من 7 أو 8 هيتم افتتاحهم، واحنا جايبين نسخة كاملة من النسخة الأميركية.
وأكد السيسي أنّه سيحرص على توفير إعاشة كريمة ورعاية طبية وإنسانية محترمة، وسوف يتلقّى مَن في داخل هذه السجون معاملة إنسانية وآدمية، لأن «المواطن إذا أذنب فلا يمكن عقابه مرَّتَين». كما يضمّ المجمّع ثلاثة مراكز فرعية أُعِدّت لاستقبال النزلاء الذين يقضون مدّةً قصيرة، حيث يتمّ التركيز على تأهيلهم مهنياً في الأعمال اليدوية وتسويقها لصالحهم.

بعد تصريح السيسي، قال مساعد وزير الداخلية المصري لقطاع الحماية المجتمعية طارق مرزوق أنّ سجن بدر يضمّ ثلاثة مراكز تأهيل، إلى جانب المركز الطبّي المجهّز بسعة 175 سريراً وغرفتَي عمليات وغرفة عمليات قسطرة، و18 غرفة عناية مركّزة، و11 عيادة خارجية و4 وحدات للغسيل الكلوي. كما تضمّ منطقةُ الخدمات والمباني والمنشآت في المركز مباني إعاشة النزلاء، وملعباً متعدّد الأغراض ومناطق للتريّض والاستقبال والزيارة ومركزاً للتدريب والتأهيل، إضافةً إلى مناطق للزيارة يتمّ خلالها تطبيق الإجراءات الاحترازية والتأمينية على الزائرين وفقاً للشروط المُتَّبعة في هذا الشأن. ويضمّ المجمّع أيضاً مركزاً للمحاكم، يحتوي على أربع قاعات حديثة لعقد جلسات المحاكمات.


واقع السجناء

هذه المرّة، صدق السيسي. فسجن «بدر» مبنيّ بالفعل على الطراز الأميركي، ولكن ليس كنسخةٍ عن سجون حقوق الإنسان، بل كنسخةٍ عن سجن «غوانتانامو».

مجمّع سجون بدر مكوّن من ثلاثة سجون، صورة طبق الأصل بعضها عن بعض، وهي «بدر 1» و«بدر 2» و«بدر 3»:

  • سجن «بدر 1» مخصّص للمعتقلين السياسيين غير الخطرين من وجهة نظر عبد الفتّاح.
  • أمّا «بدر 2»، فهو مخصّص للمسجونين الجنائيّين.
  • وأخيراً «بدر 3» مخصّص للمعتقلين السياسيّين المصنّفين على أنّهم خطر على الدولة، «وفقاً لتصنيفات الأجهزة الأمنية».

يحتوي كلّ سجن على ستّة قطاعات، كلّ قطاع على أربعة طوابق، وفي كلّ طابق عدد من الزنازين الكبيرة التي تسع الواحدة منها ثمانية نزلاء كحدٍّ أقصى. لكنّ إدارة السجن التي تتعامل مع المعتقلين كأرقامٍ لا كبشر، رمت في أقلّ زنزانة 18 روحاً.
في كلّ طابقٍ أيضاً غرفتان صغيرتا الحجم، لا تحتمل كلٌّ منهما أكثر من 4 نزلاء، وبالرغم من ذلك، تحوي أكثر من 6 معتقلين.
وفي كل طابق، مساحة صغيرة جداً في الأسفل، مخصّصة للترَيّض، يحقّ للمعتقلين أن يتريَّضوا فيها مدّة ساعة، لكنّ هذا ما لا يحدث باستمرار.


الفلسفة العقابيّة

إنّ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان ما هي إلا حبر على ورق، يُمارس السيسي من خلالها هوايته في الكذب وتبييض وجهه وسجلّه الحقوقي المُلطَّخ بالدماء أمام العالم الغربي. لم تُقدّم الاستراتيجية المنشودة جديداً، بل غيّرت الأسماء والمصطلحات فقط:
من «سجين» إلى «نزيل»، لكنّه في الحقيقة «معتقل».
من «سجن» إلى «مركز إصلاح وتأهيل»، وهو في الحقيقة أيضاً «معتقل».
قالوا إنّ مجمّعَ سجون «بدر» انعكاسٌ لتغيير الفلسفة العقابية في مصر، بالرغم من أنّ التعذيب والانتهاكات في السجن ممنهجة، وكل سجن به درجات وأشكال محدّدة من القسوة. فعلى سبيل المثال:

في سجن «بدر1» مياه الشرب ملوّثة وتسبّب الأمراض، ومجرى الصرف الصحي مسدود على الدوام وتخرج منه المياه والروائح الكريهة. لا توجد أدوات لإعداد الطعام. لا يُسمَح للمعتقلين الشراء من «الكانتين» إلّا إذا وافق الضابط المسؤول المتعنّت دائماً. حتّى ولو سمح، فالكانتين فارغ إلّا من بعض المعلّبات البسيطة وأكياس التشيبس، وبأسعارٍ مرتفعة للغاية. هذا عدا عن ركاكة الرعاية الطبية للسجناء. وإذا اعترض أيّ معتقل، يُرمى في غرف التأديب، وهي غرفٌ مراقَبة بالكاميرات وخالية من أيّ فتحات تهوئة، وليس فيها دورة مياه، وإذا احتاج النزيل لدخول دورة المياه فيكون بموافقة الضابط المسؤول، شرط أن يخلع كل ملابسه ما عدا الملابس الداخلية أو سترة السجن، وهي قماشة خفيفة للغاية تُداري عورته لا أكثر.
بالمناسبة، يعيش في هذه الظروف حالياً صديقي الشاعر جلال البحيري، المُضرب عن الطعام بسبب تدويره في قضية جديدة وتعرّضه لعددٍ من الانتهاكات. 

أمّا في سجن «بدر 3»، وهو السجن الأخطر في مصر، فيعيش نزلاؤه في ظروفٍ صعبة أقوى وأروَع من التي عاشوها سابقاً في سجن «العقرب» سيّئ السمعة، حيث يُحتَجَز السجناء في ظروفٍ مماثلة أو حتى أسوأ، محرومين من خصوصيّاتهم، مع تسليط كاميرات المراقبة عليهم طوال الوقت. يعيشون في زنازين باردة. يُعذَّبون عبر تسليط الأضواء عليهم على مدار الساعة لمنعهم من النوم (يؤثّر ذلك أيضاً على جهازهم العصبي). ويُمنع العديد منهم من التعرّض للشمس بأي شكل من الأشكال. كما يُحظر عليهم استقبال أيّ مواد غذائية أو ملابس من ذويهم. يُحرَمون من أي أدوات ثقافية مثل الكتب أو الجرائد. يُمنَعون من التواصل مع أسرهم أو محاميهم، وحتّى الجلسات القضائية تتمّ عبر الانترنت، فلا يفارقون محبسهم. 


إضرابٌ جماعيّ ومحاولات انتحار

هذا الواقع دفع السجناء إلى الدخول في إضرابٍ جماعي عن الطعام، وحاول عدد منهم الانتحار، احتجاجاً على قسوة الأوضاع. وانتشرت تسريبات من داخل السجن حول عمليات التعذيب الجماعي في الداخل، وقد وصفه السجناء في رسائلهم بأنّه «أسوأ من سجن العقرب ألف مرّة».

فهل يرى عقلاء مصر الكرام، أعضاء «اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان» الذين عيّنهم الرئيس السيسي للعمل على «الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان»، والذين وصفوها دائماً كاستراتيجية وطنية متكاملة لحقـوق الإنسـان فـي مصـر- هل ترون الانتهاكات المروعة في «بدر 3»؟ هل تدركون معنى الموت البطيء؟ هل تعلمون أنّ الشعب سيحاسبكم، يوماً ما، على كذبكم؟ تتحمّلون أمام الجميع، وأمام الله، ذنب هؤلاء المساكين الذين يتمنّون في كل لحظة أن يأتيهم الموت، لينجدهم من التعذيب ومن كذبكم.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
3,645 شهيداً، 15,355 جريحاً منذ بداية العدوان الإسرائيلي على لبنان
حدث اليوم - الجمعة 22 تشرين الثاني 2024
22-11-2024
أخبار
حدث اليوم - الجمعة 22 تشرين الثاني 2024
لحظة تفجير منازل في بلدة طير حرفا الجنوبية
استشهاد 5 مُسعفين في اعتداءات إسرائيلية مباشرة على فرق الإنقاذ 
المجر تتحدّى المحكمة الدولية: لن نعتقل نتنياهو
صامد في الفان رقم 
22-11-2024
تقرير
صامد في الفان رقم