تحليل لبنان الكبير
سامر فرنجية

شهرٌ على انفجارنا، مئة عام على بلادكم

31 آب 2020

مئوية لبنان اليوم، في هذه الظروف، في هذه اللحظة، بعد كلّ شيء...

تبدو رمزيّة هذه المئوية واضحة، مضجرة، حتى وقحة بعض الشيء، إن لم تكن أسوأ من ذلك. ففي العيد المئوي، يعود الصانع المنتدب لكي يحاول إصلاح الخراب الذي فتكته صنيعته بمشروعه. لكن رغم عنهجية المنتدِب المنتظَر، ليست عودته إلّا تكرارًا لهذه الرمزية المضجرة، تُلخَّص بزيارته لفيروز، هذا الرمز الذي بات يختصر لبنان بثباته وسكوته. تعود فرنسا لتتأكّد أنّ مخيّلتها الاستشراقية ما زالت تصلح في هذه البلاد الرمزية، ولتبحث بين الركام المتزايد عن بعض العقود لشركاتها.

بعد مئة عام على تأسيسه، عاد لبنان إلى ما كان دائمًا عليه في شتى المخيلات السياسية، أي «مسوّدة» بلد، تنتظر من يستكملها. وبعد فشل السكان الأصليين بتحويل المسوّدة إلى نطام، عاد المنتدب وفرض عليهم إعادة النظر بعقدهم الاجتماعي قبل انتهاء الصيف. لم يجد رأس هذا النظام إلا العودة إلى الكلام المضجر عن الدولة المدنية، يومًا قبل عودة الأستاذ، وكأنه نقل فرضه من أدبيات إحدى المجموعات الإصلاحية. لربّما ينسينا الزواج المدني الاختياري أنّه كان يعلم، لربّما تنسينا رمزية هذه الخطوة واقع الإجرام.

تأتي مئوية لبنان بعد الوباء والانهيار والانفجار، بعد اهتراء عقده الاجتماعي وانتهاء نموذجه الاقتصادي وإفلاس رسالته الثقافية. ليس هناك الكثير لقوله عن هذه الرمزية. فعندما تصبح الرمزية بهذا الوضوح، يصبح الكلام عنها مضجرًا، كشتى المقالات التي ستكتَب هذا الأسبوع لرثاء هذا الوطن ولتسكب حنينها إلى ماضيه الذهبي الذي لن ينعاد. فعندما تتكاثر الرمزيات، ويصبح الواقع مجرّد تسلسل لأحداث تفوح منها رائحة الإشارات الرمزية، ندرك بأنّنا بدأنا نفقد شيئاً من واقعيتنا، لنتحوّل إلى إشارات بلا معنى، متروكة لبعض المنجّمين لكي يفسّروها.

ليس واقعنا بلا معنى، ولكن يراد منه أن يكون كذلك. مَن ابتكر بدعة «مصطفى أديب» ليس عدوًا للثورة أو للشعب أو غير مدرك لأهمية اللحظة، بل هو متآمر على الواقع، يريد من هذا التكليف إفراغ ما تبقّى من صلابة هذا الواقع. اجتمعت الطبقة السياسية بأكملها، ولم تستطع ابتكار أي إخراج قد يشكّل ردًا مناسبًا لحجم المأساة التي نعيشها. فاستوردوا أحد مستشاري نجيب ميقاتي من ألمانيا ليترأس حكومةً يدركون أنّها ستكون مضيعة للوقت. فهموا جيدًا درس «حسّان دياب» وكرّروه: عَيِّن أبلهاً آخر وفرِّغ الواقع من أي أهمية. وإذا سقط بالشارع، هناك مستشارون آخرون لميقاتي أو غيره، يتمنّون أن يدخلوا نادي رؤساء الوزراء السابقين، حتى ولو بعد سقوطهم بالشارع.

لكن رغم الرمزية المضجرة ومحاولات السلطة المجرمة، ما زال هناك واقع يقاوم من خلال خرابه، من حفرته، من تحت الركام، واقع طردَ الرئيس المكلّف من الجميزة ليقول له إنّه ليس مرحَّبًا به في صحراء الواقع التي باتت بلدنا. هذا الواقع لن يزول لأنّ ماكرون التقى فيروز، أو لأنّ عون طالب بالزواج المدني، أو لأنّ الإجماع السياسي أنتج رئيسًا جديدًا للحكومة. هذه الصحراء بات عمرها شهرًا، وهي صحراؤنا، وتساوي مئة عام من بلادكم.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
12 شاحنة مساعدات فقط دخلت شمال غزّة خلال شهرين
287 خرقاً إسرائيلياً لوقف إطلاق النار
فيدان والشرع عن قسد: لا مكان للسلاح خارج الدولة
تخطيط قيمة حياة فتاة عشرينيّة مقيمة في بدارو
وزير الدفاع الإسرائيلي يزور جنود الاحتلال في جنوب لبنان
وليد جنبلاط في سوريا