سؤال يتكرّر
في حرب؟ بات هذا السؤال يتكرّر دورياً وكأنّه طريقة التأقلم الجماعية مع المجهول الذي نعيش به. في حرب؟ وكأنّ الأشهر الثمانية التي قتلت أكثر من 400 لبناني، لم تكن حرباً. في حرب؟ أي هل هناك ما هو خارج عن المعتاد بعد هذه الأشهر الطويلة من القتال الجنوبي. في حرب؟ ومتى تبدأ الحرب الدائرة، متى نعتبرها حربًا، عند قصف المطار، لحظة الاجتياح البري، مع سماع أول انفجار في بيروت…
السؤال ليس مجرّد محاولة للتأقلم مع وضع غريب من «الحرب- اللاحرب». هو نتيجة لعبة التصعيد العسكري والتفاوض القتالي الدائرة منذ طوفان الأقصى. تهديدات إسرائيلية تبدأ بهدف عسكري بالظاهر يتعلّق بإبعاد حزب الله خلف الليطاني، ولا تنتهي بالمطالبة «باجتياح بيروت، واحتلالها 50 عاماً». تصعيد كلامي لا يتطابق مع أفعال القوّات الإسرائيلية على الأرض، والتي ما زالت، كل هذه المدّة، تُعيد الدوامة نفسها: تغتال قادة من حزب الله «على الرأس»، تقصف الشريط الحدودي باستمرار، ترتكب جرائمها البيئية في الجنوب، وعند التصعيد، تقصف أهدافاً في البقاع. دوامة عسكرية، عالقة بواقع أنّ إسرائيل لم تحصل بعد على ضوءٍ أخضر لعملية أوسع في جنوب لبنان، مع رفض أميركي واضح لمثل هذه العملية. دوامة عالقة أيضاً بالكلفة العالية التي يتكبّدها الجيش الإسرائيلي، أكان من ضربات حزب الله هنا، أو ضربات فصائل المقاومة الفلسطينية في غزّة.
ونتيجة هذه الدوامة، حالة من الانتظار العبثي والتعايش مع واقع «الحرب-اللا-حرب»، وسؤالها في حرب؟
موقف حزب الله الميداني
الجواب لهذا السؤال ليس عند حزب الله، وهو الذي أعاد تكرار موقفه، مع التصريح الأخير لنائب أمين عام حزب الله نعيم قاسم بأنّ حزب الله يفضّل تجنّب الحرب، لكنّه جاهز لها إن فُرضَت.
رغم الضربات القاسية التي تلقاها خاصة في بداية الحرب، استطاع حزب الله الحفاظ على مساحة من المناورة والتصعيد، وحتى توسيعها في بعض الأحيان. فاعتمد تكتيكاً بالكشف التدريجي عن خططه وأسلحته، متفادياً منطق الدوّامة وتكرار نمط الضربات نفسها. فكشف مثلًا في الشهر الفائت عن امتلاكه صواريخ قادرة على إلحاق ضرر فعلي، كما شهدت أراضي الجليل المحروقة، ومسيّرات ترمي صواريخ. واستطاع استهداف القبب الحديدية بالمباشر، بعد أسابيع من استهداف أبراج المراقبة والأجزاء المسؤولة عن تشغيل القبّة. أظهر الحزب قدرته على اختراق السلاح الدفاعي الأوّل لإسرائيل، ما يعني أنّ الصواريخ الكثيفة، والبعيدة، والدقيقة، إن استُخدمَت في حربٍ أوسع، ستلحق ضرراً يُحسَب له حساب في إسرائيل. ويتزامن هذا مع التلميح الميداني لحزب الله بامتلاكه صواريخ أرض-جو، ما يعني اختراقه للسلاح الهجومي الأوّل لإسرائيل. كل هذا أدّى لأن تكون، ولأول مرّة، المنطقة العازلة من الجهة الإسرائيلية من الحدود.
تكتيك حزب الله والفصائل الفلسطينية ما زال مرتبطًا بجولات المفاوضات والصفقات المطروحة على الطاولة، أي بهدف الخروج من الحرب الدائرة من خلال التفاوض.
هوكستين والموقف الدولي الرافض للحرب
الجواب لهذا السؤال أيضًا ليس عند المجتمع الدولي، رغم الاختلافات بين مكوناته، بات واضحًا برفضه توسيع مجال الحرب.
أكّد، في هذا السياق، المبعوث الأميركي آموس هوكستين، على ضرورة حلّ دبلوماسي للجبهة اللبنانية، يبدأ باتفاق يضمن فترة طويلة من الهدوء على غرار ما جرى بعد حرب 2006، رغم اعتراف هوكستين بأنّ القرار 1701 كما أُقِرّ آنذاك لم يكن قابلاً للتطبيق. لذلك، يقترح هوكستين مساحةً للتفاوض تتراوح بين حدَّيْن: الإقرار بأنّ المطروح اليوم ليس التوصّل لاتفاق سلام نهائي، لكن أيضاً ما عاد «ستاتوكو 6 أكتوبر» قادراً على ضمان الهدوء على الحدود. وجاء تصريح الخارجية الأميركية في السياق ذاته في فصله المسار اللبناني عن الفلسطيني، وإن كانت هدنة في غزّة تساعد على إيجاد حل في الجنوب.
ثمانية أشهر على الإبادة وليس هناك من قابلية لتوسيع الحرب عند المجتمع الدولي الذي بات يضغط بما لديه لمنع احتمال كهذا.
الضيعان الإسرائيلي وإمكانية الحرب
الجواب لسؤال الحرب ليس عند الحكومة الإسرائيلية أيضًا، وإن كانت اللاعب الوحيد الذي قد يختار هذا المسار.
بات التخبّط الإسرائيلي حيال موضوع جنوب لبنان واضحًا. فرغم عدوان إسرائيل المتواصل على لبنان، منذ ثمانية أشهر، اتّسم الأسبوع الأخير بتهديدات يومية، بنبرةٍ هي الأشدّ، تبدأ من التلميح بحرب وتقف ما قبل الحسم بدرجة: مثل أن يعلن نتنياهو «جهوزيّته» لشنّ عملية واسعة في الشمال. ثم تُبلغ إسرائيل الوسطاء، أميركا بالتحديد، أنّها تفضّل بالحقيقة حلّاً دبلوماسياً، متجاوزةً تصريحات الثنائي سموتريش- بن غفير. لكنّ هذا الحل يصطدم بمماطلة نتنياهو وحلفائه في الحكومة، الذين يدركون أن مستقبلهم بعد غزّة بات معدومًا، إن لم يحقق نصرًا ما أو تحوّلًا جذريًا في المعادلة. وإحدى الطرق لقلب المعادلة هي الهروب نحو حرب مع لبنان كفيلة بتغيير المعادلة الراهنة، لكنّ أحداً لا يستطيع أن يضمن لإسرائيل شكل هذا التغيير ولا كلفته التي لا تكفّ تكتيكات حزب الله العسكرية وتصريحاته السياسية عن التأكيد بأنّها ستكون باهظة.
في حرب؟ الجواب قد يكون في الضيعان الإسرائيلي الحالي.