تعليق ميشال عون
نادر فوز

أشياء لم نفهمها في وداع العهد

31 تشرين الأول 2022

كان يوم 30 تشرين الأول 2022 يومَ فرح عارم وجامع للّبنانيين، لمغادرة الرئيس ميشال عون القصر الجمهوري في بعبدا. لم تعد تهمّ باقي المشاعر، من الغضب للقرف واللامبالاة. فالفرحة كانت طاغية، ولازمت كلّ ضحايا هذا العهد، كما جمعت خصومه السياسيين، داخل السلطة وخارجها. 
لكن ما لم يكن مفهومًا في هذا النهار الوداعي الطويل هو البهجة التي اعترت أنصاره. فنّظّموا كرنفالًا، امتدّ ليوم كامل، بدأ ليل السبت بنصب الخيم وللملاحظة، لم يطلّ منظري التيار لكي يتساءلوا بإسفاف عن عدد حالات «الحَبَل» التي يمكن أن تنتج عن مبيت مماثل. واستمرّ المهرجان حتى نشرات الأخبار الليلية، حيث تسنّى للجمهور العوني متابعة ما فوّتوه عليهم في المشهد العام. 

العماد عون يتّكل على ساعد الجيش وعضد الشعب وفي الله معه
لو ما كان جبل وقدّ حالو كانوا زاحوه
وصل البلد بعهده على الانهيار لإنو هو إجا يكشف مين سبب الانهيار
مناصرو التيار الوطني الحرّ، 30 تشرين الأول 2022

غابت عبارة «يا شعب لبنان العظيم» عن خطاب الرئيس ميشال عون الأخير في قصر بعبدا. على الأرجح، نسي هو ذكرها. وعلى الأكيد، لم ينتبه الجمهور لهذه الهفوة، إذ كان سكراناً بتحقيق الانتصار الذي عجز باقي اللبنانيين على فهمه. ما هو هذا الانتصار؟ كيف حصل؟ متى؟ وعلى من؟ لا يهمّ. كل ما في الأمر أنّ الرجل بحاجة إلى زفّة للخروج من بعبدا، علّ الطنّة والرنّة تغطّي على أنين ضحاياه المتروكين، صوراً معلّقةً فوق مرفأ بيروت، أو جثامين في قعر بحر طرابلس. وجاءت الردّية بركاكة الانتصار نفسه.

البدر عْلينا هَلّ
فخامتو عْلينا طَلّ
ما تقولوا هالجنرال مْنِ القصر فَلّ 
لكن الجنرال بِكل قلب شَهم لبناني ضَلّ
ردية فرقة الزفة بالرابية، 30 تشرين الأول 2022

فرح العونيون أمس لأنّ الرئيس ميشال عون عاد جنرالاً. أيضاً، عقلنا البشري المتواضع يعجز عن فَهم الابتهاج بانكسار رُتبة. لا يهمّ. كل ما في الأمر أنّ الرجل عاد إلى منزله، ويطلب الراحة لا أكثر. يريد الجلوس في غرفة المعيشة والتفرّغ لهواياته التي بدأنا اكتشافها منذ مدّة: الزراعة. وفي قصره الجديد، لن يزرع بلكوناً لتحدّي الأزمة والانهيار والجوع، عملاً بتعويذة مقاوِمة. ثمة مساحة مخصّصة لذلك هنا. تخيّلوه إذاً بقبّعة وقميص فيتو كورليوني، يلعب مع أحفاده ويقشّر لهم البرتقال. يريد الرئيس أن يرتاح من كل الضوضاء خلف أسوار القصر، فقرّر أن يكون قصر تقاعده خالياً من أي قاعات لترؤس اجتماعات أو لقاءات سياسية. لذا يمكن أن نفهم الفرح العارم في التيار. الزفّة والطنّة والرنّة ليست للجنرال فقط، إنما لتسلّم جبران باسيل التيار بشكل نهائي.

شجرة الأرز هي رمز للخلود، وهي الكائن الحي الوحيد الذي كان شاهداً على مرور الأنبياء والرسل
أحب شجرة السنديان لأنّها ترمز إلى المدرسة الأولى حيث تعلّم أجدادنا
أحب شجرة الزيتون لأنّها تعطي الغذاء، وهي رافقت أجدادنا منذ العهد القديم ولا تزال ترافقنا اليوم
مقابلة ميشال عون على المنار، 29 تشرين 2022

انتهى عهد رئاسي، وبدأ آخر في الفراغ، أراده الرئيس عون كاملاً من خلال توقيع مرسوم استقالة الحكومة، بحجّة أنّ الاستقالة يمكن أن تجبر مجلس النواب على انتخاب رئيس جديد للبلاد. لكن لا يهمّ أيضًا. نحن لبنانيون ومعتادون على الفراغات، لم نعد نملإها أصلاً. نتعايش معها كالأزمات والأمراض والانهيارات. 

لا يهمّ لأنّ ثمة عهداً جديداً بدأ أيضاً في التيار الوطني الحرّ. تيار جبران باسيل ينوي الانضمام إلى معارضة ما، للاستمرار في الحياة السياسية، بعد أن أثبتت تجربته السياسية في السلطة، قبل العهد وخلاله، الفشل على مختلف المستويات. يعاير باسيل اليوم نواب 17 تشرين بأنهم تمكّنوا من الوصول إلى البرلمان لأنّه فرض قانوناً نسبياً في الانتخابات. الرجل الخاسر لمعركتين انتخابيتين يقول ذلك. لا يهمّ أيضاً، لأنّ هذا جبران، رئيس الظلّ ومشروع الرئيس، الذي يعجز عقلنا البشري المتواضع عن فهم كلّ ما ينتج عنه.

أصبح لدينا دولة مهترئة بمؤسساتها ومن دون قيمة
أي دولة تقوم على عمودين أساسيين: الأول الامن والثاني القضاء
ننتقل لمرحلة جديدة تبدأ بنضال قوي لاقتلاع الفساد من جذوره
خطاب ميشال عون، 30 تشرين الأول 2022

انتهى عهد الرئيس ميشال عون، وبدأ عهد جبران باسيل. باسيل نفسه الذي يدخل الحكومة ويعارض في آن. باسيل الذي يتمثّل برئاسة الجمهورية وأكبر كتلة نيابية وأكبر تحالف نيابي، لكنه من خارج السلطة. باسيل الذي يشتم رياض سلامة ويحمّله كل تبعات الانهيار الحاصل، لكن يمدّد له وزراؤه مقابل دعم مصرفي وحصص. باسيل الذي يزايد على كل اللبنانيين بمقاومة إسرائيل، لكن يؤكد على حقّها في ضمان أمنها. باسيل الذي عمل بكل ثقله ورئاساته ووزرائه ونوابه وقضاته لنسف التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت لإطلاق سراح أدواته المدّعى عليهم، لكن في الوقت نفسه يتّهم المدعى عليهم المتهرّبين من التحقيق بعرقلة العدالة. باسيل نفسه، الهيلاهو طبعاً، بدأ عهده باللعب على حبال البهلوان. فنحتار لأيٍّ من العهدَيْن نجيّر أغنية رامي عصام.

المهمّ الثبات على المشروع والموقف بمعزل عن المركز
الفراغ يُتعب الفارغين
نحنا مكملين معكن (عليكم)
جبران باسيل، 30 تشرين الثاني 2022

 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
ناشطون إثيوبيّون: محمد بن زايد شريك في الإبادة
إصابة عناصر في اليونيفيل باستهداف سيّارة في صيدا
الكنيست الإسرائيلي يقرّ ترحيل عائلات منفّذي العمليّات لمدّة 20 عاماً
إسرائيل تدمّر مبنى المنشية الأثري في بعلبك
جماهير «باريس سان جيرمان»: الحريّة لفلسطين
مطار بيروت يعمل بشكل طبيعي