تعليق انفجار المرفأ
مهدي كريّم

منطق الدولة ودولتي فعلت هذا

5 آب 2022

سنتان على إنفجار 4 آب.
سنتان على ما يمكن توصيفه كأكبر انفجار غير نووي في تاريخ البشرية. 
سنتان على هذا التاريخ الذي بات يفصل بين زمنين، ما قبل وما بعد، وبينهما كارثة دمّرت مدينة.
سنتان على الساعة السادسة وبضع دقائق، التي جمعت روايات مختلفة بمأساة واحدة. 

روايات هذا النهار لا تنتهي، من الطفل جورج خنيصر الذي ولد على ضوء الهاتف بعد دقائق من تدمير مستشفى الجعيتاوي حيث كانت والدته تتهيأ لدخول غرفة العمليات، إلى العامل علي مشيك الذي عاد إلى المرفأ بعد انتهاء دوامه ليعمل ساعات إضافية مقابل 5 آلاف ليرة لإفراغ حمولة قمح، فلقي حتفه. وما بينهما قصص 232 شهيداً وأكثر من 6500 جريح، ما زلنا نكتشف لغاية اليوم مآسيهم، وليس آخرها ليليان شعيتو وابنها الذي حُرمت منه وهي لا تزال على فراش المشفى.


أولويّة تحقيق العدالة

ربّما كانت الذكرى الثانية، مهما كانت مؤلمة، مناسبة لإعادة قراءة الأسباب التي حالت دون تحقيق العدالة وكشف المجرمين، رغم كل المطالبات والتحرّكات الداعية إلى حماية التحقيق واستكماله. فمنذ بداية القضية، قام المطلب الأساسي على أولويّة التحقيق والمسار العدلي، الذي يفترض تغليب منطق دولة القانون والمؤسسات. منطق يقول إنّ الجميع متساوون أمام القانون الذي يعلو ويسمو على كل التسويات والاتفاقات التي يمكن أن تُنهي القضية، كما أنهت الكثير من القضايا من قبلها. 

لكنّ ما عطّل هذا المنطق هو إمساك المُتّهمين بزمام السلطات، بالـ«دولة» التي يفترض أن يحكم منطقها. المقصود هنا ليس السلطة القضائية بشكل مباشر أو قاضي التحقيق، إنّما جميع السلطات التي كرّسوها للإفلات من العقاب. 

في مقدمتهم، مجلس النواب الذي أعاد تشكيل، وبكل وقاحة، المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي لم يجتمع يوماً. وكذلك السلطة التنفيذية التي يرفض أحد أبرز أركانها، وزير المالية، التوقيع على التشكيلات القضائية التي تسمح باستكمال التحقيقات. ووصولاً إلى التلطّي وراء المبادئ القانونية واستخدامها بغير الهدف الذي وجدت من أجله.

«الدولة» التي يفترض أنّ نلتجئ لها، هي دولة الإفلات من العقاب. هي الدولة التي فعلت هذا. 


استغلال الحصانات النيابيّة

ربّما شكّلت «الحصانات» الركن الأساسي لدولة اللاعقاب هذه. فتحوّلت «الحصانة النيابيّة» من نوع من حماية قانونيّة يُعطيها الدستور للنوّاب لكي يقوموا بعملهم من دون الخضوع لضغوطات، إلى حصن منيع للمتّهمين بالتهرّب من مسؤوليتهم في أكبر انفجار في تاريخ البلاد. بمعنى آخر، تقوم فلسفة تلك الفكرة على حماية الأمة من خلال حماية ممثلها (النائب) في ممارسة مهامه التي كفلها له الدستور وإعفائه من أيّ مسؤوليّة قضائيّة قد تترتّب على الآراء والمواقف التي يعبّر عنها، كتابياً أو شفهياً، خلال مدّة ولايته النيابية، سواء كان داخل البرلمان أم خارجه. أمّا في دولتنا، فحُوّر هذا المنطق لكي يصبح الحق في تفجير مدينة من دون عقاب. 

هكذا حوّلت السلطة أحد أهم المفاهيم الدستورية التي وضعت لضمان حماية ممثلي الأمة إلى أداة لحماية متهمين في انفجار المرفأ، وجعلت من لبنان دولة «فاشلة» بالمعنى القانوني، أي تلك الدولة غير القادرة ليس فقط على حماية مواطنيها، وإنما التي سمحت بقتلهم دون أي محاسبة للمرتكبين. فماذا يبقى من منطق الدولة، عندما تصبح الدولة فاشلة، دولة اللاعقاب؟


كيف يمكن مصالحة هذين الشعارين: 

  • منطق الدولة
  • دولتي فعلت هذا

فهل يمكن الاستمرار بالتمسّك بمسار عدلي، هو ضمنيًا طلب لهذه السلطة بأن تحقق العدالة؟ فبات واضحًا أنّها لن تسمح بأي شكل من الأشكال بالوصول إلى حقيقة مَن نقل وخزّن وفجّر النترات. بل أبعد من ذلك، ستبقى سداً منيعاً أمام كل المحاولات الهادفة إلى إحقاق الحق. لذا، بات واجباً الحديث عن مفهوم العدالة من منطلقها السياسي، أي تلك العدالة الهادفة إلى تغيير الطاقم السياسي، وربّما تغيير النظام بغية الوصول إلى الحقيقة، ليس في قضية انفجار المرفأ فقط، بل بكل المآسي التي أصابت اللبنانيين.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
الاتحاد الأوروبي: قرار المحكمة الجنائية مُلزِم لكلّ دول الاتحاد
مقتل باحث إسرائيلي كان يبحث عن «أرض إسرائيل» في جنوب لبنان
قتيل بصواريخ حزب الله على نهاريا 
 أعنف هجوم إسرائيلي على الأراضي السورية أكثر من 68 قتيلاً في غارات تدمُر