مِن كلّ الذين اعتُقلوا منذ بداية 17 تشرين، وحدَهم معتقلو طرابلس وُجّهَت لهم تهمة «إرهاب وسرقة».
الإثنين 22 شباط 2021، ادّعى مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية فادي عقيقي بجرم الإرهاب على 35 شاباً من موقوفي أحداث طرابلس وممّن أخلي سبيلهم. رغم خطورة ما تعنيه هذه الخطوة على المستوى القضائي، فإنّ التعاطي معها من هذه الزاوية غير كاف. فالأخطر هو وظيفة هذه التهمة باستكمال رواية «طرابلس الإرهابية». الأخطر هو إطلاق حكم يساهم بعزل المدينة ودعشَنتها، كما يبرّر للعنف السابق، ويمهّد لتنميط محتجّيها بالشكل الكافي لجعل الرأي العام يتقبّل القمع الآتي ضدّهم.
مِن كلّ التداعيات على الذين طُرِدوا من عملهم في زمن الإنهيار، طالت أحقر أشكال التعسّف العمّال الأجانب، في معمل نفايات صيدا تحديداً.
السبت 13 شباط 2021، «أقدمت إدارة معمل فرز النفايات في منطقة سينيق في صيدا جنوب لبنان، على طرد 51 عاملاً بشكل تعسفّي، بينهم 40 عاملاً فلسطينياً، على خلفيّة مُطالبة العمّال بحقوقهم، بما يخصّ صرف الرواتب». في نهاية العام 2020، انخفض عدد الأجراء المصرّح عنهم للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بـ39 ألفاً. وفي حين حاولت بعض الإدارات الجَخّ في التعويضات لتبييض صورتها، اختارت إدارات أخرى ترهيب عمّالها تحت الهواء. وفي حين عانى هؤلاء من تبِعات الأزمة، نذكر المعاناة المضاعفة للعمّال المصروفين في قطاع العمالة اللانظامية. كما نذكر المعاناة الأكثر من مضاعفة للعمّال الأجانب ضمن العمالة اللانظامية.
مِن كلّ «الإشكالات الفردية» والاعتداءات، طالت أعلى نسب احتمال الموت قضايا العنف الأسري ضدّ النساء.
السبت 20 شباط 2021، تعرّضت رانيا البابا (44 عاماً) للاعتداء والضرب من قبل طليقها محمود الديماسي، بشكلٍ همجيّ، لمجرّد مطالبتها بمستحقّاتها المادية منه. سبق ذلك اعتداءٌ على لارا شعبان في 9 شباط بالطعن حتّى كادت تفارق الحياة، لتبقى فيما بعد في حالةٍ حرجة. هاجمها زوجها على غفلة، فيما كانت تنتظر ردّ المحكمة الجعفرية لانتزاع قرار نفقة لها ولابنتها. سبق ذلك أيضاً قتل زينة كنجو خنقاً. تتسلسل القضايا إلى ما لا نهاية، حتّى بلغت محصّلة العنف الأسري 4 سيدات وطفلة في الشهر الأول من العام الحالي فقط.
خلاصةً، فيما يتعرّض المذكورون أعلاه للاستغلال والتهميش وفق القسمة الطبقية، على المستوى الأوّل، يتعرّض المذكورون أعلاه للاستغلال والتهميش وفق أُسس جندرية أو مناطقية أو قومية، على المستوى الثاني. والمستويان لا يندرجان فعلياً وفق تراتبية «الأوّل» و«الثاني»، بل هما، للدقّة، متقاطعَين، وإن كان الأوّل يساهم في تحديد الثاني. لكن هل يصحّ تحديد العلاقة بينهما بهذا الشكل «الميكانيكيّ»؟ وهل هذا التمييز يعني أن ننتظر، ريثما ننتهي من معالجة المستوى الأوّل، لنعالج الثاني؟ تهمة الإرهاب والسرقة لم تنتظر، «فائض تهميش» العمّال الفلسطينيين لم ينتظر، قاتل زينة كنجو لم ينتظر…
الجدير بالمتابعة هو العلاقة بين الارتقاء طبقياً، واضمحلال نسب الاستغلال وفقاً للأُسس الأخرى. بهذا المعنى، تختفي عنصريّة اليمين الشعبوي، فجأةً، عند رؤية رجل أعمال سوري، فيما تبلغ أقاصي جديدة تجاه العمّال الأجانب واللاجئين. لهذا السبب، يرى النظام في نجيب ميقاتي صورة ابن طرابلس الذي يرفع الرأس، فيما يرى في ابن طرابلس مشروعَ إرهابي.
ومع كل تلك الأمثلة الحسّية، مع ما يرافقها من خلفية نظريّة، العَترة على من يصرّ على عدم الاعتراف بالقسمة الطبقية ويُكابر عليها. والغَباش، في من يتبنّى هذه القسمة، وإنّما يختزل كل شيء فيها، متجاهلاً الأبعاد الأخرى.
أمّا الأجدى، فهو ترتيب الأولويات بالشكل الذي يؤجّج الصراع في ميادين عدّة ضد النظام نفسه، عوضاً عن تجاهل صراعات على حساب أخرى، تحديداً بحجّة «الأولويّات». في كل ميدان، صراع. وفي كل صراع، طرف مهمّش على حساب الآخر. ويبقى لنا أن نقيم التضاد فيه، وأن نقيم التقاطع بين تلك الأطراف المهمّشة والمُستغَلّة، والمُستَغلَّة بشكلٍ مُضاعف، والمُستغلَّة بشكلٍ أكثر من مُضاعَف... وهكذا دواليك.