تعليق طوفان الأقصى
سامر فرنجية

طلاب غزّة في وجه جامعاتهم

3 أيار 2024

قد لا يؤثر الحراك الطلابي في الولايات المتّحدة على موقف سياسة الإدارة الأميركية، لكنّ هذا لا يقلّل من أهمية الحدث الذي تشهده الجامعات. فما بدأ كاعتراض على حرب تدور في الشرق الأوسط، تحوّل تدريجيًا إلى ما يشبه بوادر شرخ جيلي مع نظام سياسي، شرخ يعيد تركيب صورة مجتمع عن ذاته. 

فيتنام، جنوب أفريقيا، العراق، فلسطين

انطلق الحراك الطلابي في عدد من الجامعات في الولايات المتّحدة أساسًا، مع امتدادات في دول أخرى. في وسطه جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك، والتي تمّ إخلاء مخيّمها هذا الأسبوع، بعد التدخّل الثاني للشرطة بأقلّ من أسبوعين. تمركزت مطالب هذا الحراك، بالإضافة إلى مطلب وقف إطلاق النار، حول العلاقة المالية بين هذه الجامعات وفعل الإبادة، من خلال المطالبة بالكشف عن أي استثمارات مالية تربط بين ميزانيات الجامعات وآلة القتل، وسحبها.

بعد ستة أشهر على الإبادة، وبالتالي على تواطؤ معظم الحكومات الغربية معها، تلوح بوادر انتفاضة طلابية، قد لا تنجح في تغيير سياسات تلك الدول، لكنّها تدلّ على تحوّل جيليّ عميق، وجد في إسم «غزّة» عنوان شرخه عن نظامه السياسي. فكما مع لحظات الاعتراض السابقة على السياسة الخارجية، لا تقاس دلالة تحرّكات كهذه بأثرها المباشر على السياسة، بل في ما تشير إليه، أو تصنعه، من تحوّلات ثقافية وجيلية وأخلاقية في المجتمع.


غزّة في قلب الولايات المتّحدة

غزة ليست كحرب فيتنام في السبعينات، حرب سقط جراءها عشرات الآلاف من شبّان الولايات المتّحدة لتصبح نقطة تحوّل ثقافي مفصلية في تاريخ البلاد. لكنّ غزّة اليوم لم تعد غزّة منذ ستة أشهر، أي بقعة من الأرض بعيدة عن اهتمام المجتمعات الغربية، لا تدخلها إلّا من تعقيدات «السياسة الخارجية». فمنذ بداية الإبادة، تكتشف هذه المجتمعات مدى تداخل الخارج بداخلها. فمن تواطؤ الإعلام مع الإبادة، إلى دفاع الحكومات عنها، مرورًا بالقمع غير المسبوق لأي اعتراض، تمّ اكتشاف أنّ هذه البقعة من الأرض أكثر أهمية للإستبلشمنت الغربي من حشرها بدهاليز «السياسة الخارجية».

بهذا المعنى، لا يبدو مطلب الكشف عن الاستثمارات المالية مجرّد محاولة لفرض بعض الضغط الاقتصادي على ماكينة الإبادة، بل هو بالأساس اعتراف بعلاقة تواطؤ، بتداخل «الداخل المتحضّر» مع «خارج الإبادة». المطلب ليس مجرّد مطلب اقتصادي، هو إعلان لحظة اكتشاف الذات، هذه الذات المخروقة من إبادة تحصل في بقعة أرض بعيدة عنها.


فضيحة الجامعات 

جاءت ردّة فعل إدارات الجامعات عنفية، بدءا بـ«تلبُّك ديموقراطي» سرعان ما تحوّل إلى قمع مفضوح، كما جرى مع جامعة كولومبيا. استعملت إدارات الجامعات شتّى أنواع القمع، من فصل تلاميذ وأساتذة، إلى طلب تدخّل الشرطة واعتقالها لطلبة، مرورًا بتسكير الجامعات وعزلها عن خارجها، إلى التهديد بإلغاء مراسم التخرّج التي قد تستغل لرفع مطالب الحراك. سقطت حصانة الجامعات أمام مطلب الدفاع عن إسرائيل، وكانت هذه الحصانة من آخر ضحايا هذا الدفاع، بعد القانون الدولي والمهنية الإعلامية وحرية التعبير وغيرها من أعمدة الأنظمة الديموقراطية.

ربّما ليس مستغربًا أنّ تأخذ إدارات الجامعات هذه الطريق، وهي «مؤسسات ملتبسة»، تشكّل في آن بؤراً للفكر النقدي في المجتمعات، ونقطة تلاقي مصالح مالية وسياسية وعسكرية. لكن في لحظات كهذه، تبدو حدود هذا الفكر النقدي واضحة، حيث يعلَّق الخطاب الأخلاقي عن الحرية والنقد والتنوير لتتحوّل الجامعات إلى ما يشبه أي مؤسسة خاصة، تخضع لمصالح مموّليها، وإن كان بعنف الشرطة. ربّما اعتقدت إدارات الجامعات أنّها سيطرت على الوضع، لكنّ ما حصل سيفتح مرحلة جديدة من التشكيك بها، كما حصل في الماضي، تشكيك لن ينتهي من دون تحوّل ببنية هذه المؤسسات، المأزومة أصلًا جراء عوامل عدّة. 


انتهاء الثنائيّة

إذا كانت الجامعات تواجه معضلة التعاطي مع طلابها الثائرين، بين ضرورة حماية صورة حرية التعبير وضرورة قمع واقع الاعتراض، فالنظام السياسي الأميركي، بجناحيه الديموقراطي والجمهوري، توحّد حول مطلب قمع الحركة الطلابية. فسارع ممثّلون من الحزبين للضغط على إدارات الجامعات، وذلك بعدما تمّ استدعاء، في بداية الحرب، عدد من رئيسات الجامعات إلى الكونغرس، ما أدّى إلى استقالة اثنتين منهنّ.

جاءت ردّة الفعل العنفية للطبقة السياسية كتأديب لجموع الطلاب لخرقهم حدود السياسة، لتدخّلهم في مصالح النظام غير آبهين بقواعد اللعبة المعتادة. وفي لحظات تأديبية كهذه، تذوب الفروقات السياسية بين الحزبين المتنافسين، لتعود ثنائية الحكّام والمجتمع. في سنة الانتخابات الرئاسية، يبدو الخياران المتنافسان متّحدين، ليس فقط حول العلاقة مع إسرائيل، لكن أيضًا حول ضرورة قمع كل ما قُمِع من أجلها، ليُظهر هذا الإجماع حدود المقبول في السياسة الأميركية.  


مهما كان مصير حركة الاحتجاج الطلابي، فهي إعلان آخر عن بدء تحوّل عالمي في السياسة، من الخطأ معاينته بحسب النتائج السياسية المباشرة له.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
وليد جنبلاط في سوريا
جيش الاحتلال يحاصر مستشفى كمال عدوان ويهدّد بإخلائه
الاحتلال يجرف بساتين الليمون في الناقورة
سينما متروبوليس تعود
الجيش اللبناني تسلّم 3 مواقع عسكرية لمنظّمات فلسطينيّة دعمها الأسد
«ريشة وطن»، جداريات سوريا الجديدة 
21-12-2024
تقرير
«ريشة وطن»، جداريات سوريا الجديدة