تعليق أحزاب
سامر فرنجية

عن السيادة والعنصريّة والتبعيّة

24 أيار 2021

1

أهان وزير الخارجيّة شربل وهبة دول الخليج، بكلام عنصري يعبّر، رغم امتعاض رئيس الجمهورية، عن أدبيات التيار الذي ينتمي إليه. كلام مقرف لاقاه تزلّف يفوقه قرفًا. فاستنفرت بسرعة الطبقة السياسية للاعتذار من المملكة السعودية. وفي حفلة من الذل والإذلال، إنبطح سياسيو لبنان تحت خيمة السفير السعودي وليد البخاري ليعتذروا بإسم لبنان. تحجّج الزائرون بضرورة «حماية» وظائف مئات ألاف اللبنانيين واللبنانيات في الخليج، فأخذوا على عاتقهم أن يذّلوا أنفسهم من أجل الحفاظ على لقمة عيش رعاياهم في الخارج. فالسيادة اللبنانية تعني بحالة التبعية ارتهانًا لكامل أنظمة المنطقة.

2

شكّلت السيادة عنوانًا أساسيًا في السياسة اللبنانية، عنوانًا تحوّل إلى نقطة انقسام مركزية، خاصة بعد العام 2005. ورغم كسوف ما كان يسمّى بـ«القوى السيادية»، عاد هذا الشعار إلى الواجهة مع موقف البطريرك الحيادي. من الطبيعي أن يرفع البعض هذا الشعار، بظل وجود قوى مرتهنة للخارج، وخاصة بعد تاريخ لبنان الحافل بالوصايات والاحتلالات والتدخّلات. بيد أن هذا الشعار بقي خارج السياق، لكونه يتجاهل التبعية المؤسسة للنظام السياسي والاقتصادي. السيادة تعني بهذا المجال الخضوع لواقع التبعية، وهو واقع متحوّل. فالسيادة تصبح مجرّد خضوع لأي لاعب في المنطقة، حسب قدرته التخريبية أو تأثيره.

3

تمّ إعفاء وهبة وتعيين وزيرة الدفاع زينة عكر وزيرةً للخارجية بالوكالة، بالإضافة إلى كونها نائبة رئيس مجلس الوزراء، الرئيس نفسه الذي يبحث عن وظيفة في الخليج المُهان. بيد أن سلطة عكر لا تنّم عن عدد حقائبها المتزايد. فتحوّلت، دون علم أحد، إلى المسؤولة الأساسية عن التفاوض مع سفراء الدول المانحة، التي كانت تحصل في صالون منزلها الخاص، المزيّن، كما يقال، بآثار عراقية مهرّبة. ففي حالة الإفلاس العام التي نعيشها، تقاس السيادة بقدرة مصرف لبنان على شفط بعض الدولارات من المساعدات الموجّهة للفقراء.

4

لم تعنِ السيادة مجرّد الدفاع عن استقلال لبنان والحفاظ على قراره الحر. فهذا ما يعلم الجميع أنّه مستحيل. فكان دائمًا غطاءً لاصطفاف خارجي في وجه اصطفاف آخر. وكان هذا الاصطفاف مترافقًا مع روايات تاريخية وثقافية، مفادها أن الانحياز للغرب ودول الخليج يؤمن ضمانة في وجه دول الممانعة وتدخّلاتها الدموية وشعاراتها العابرة للحدود. فبات شعار السيادة مجرّد إعادة تدوير للصراع البائد عن «هوية» لبنان، وهو صراع ما زال متمسكًا بثنائيات متخيلة عن عالم غير موجود.

5

أعلن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أنّ مَن سيقترع في الانتخابات السورية عليه مغادرة لبنان، لكونه يخسر بهذه «العَملة» صفته كنازح. لاقاه بهذا الموقف بعض رموز «الثورة». فتمّ الاعتداء على مواكب السوريين وهم في طريقهم إلى صناديق الاقتراع. حاول المعتدون أن «يفسروا» اعتداءهم هذا كفعل «سياسي» وليس عنصرياً، لكونه يطال مناصري الأسد. لكنّ هذا لا يخفي العنصرية الكامنة، عنصرية تستسهل الاعتداء على السوريين، أكانوا في مخيماتهم أو في بلديات أو على الطريق. فالشعور الكامن لهذا الصراع حول السيادة هو العنصرية المشتركة تجاه الضعيف، عنصرية يراد منها التعويض عن بعض الارتهان والذلّ تجاه أنظمة المنطقة.

6

لم ينتظر الحزب القومي طويلًا قبل استغلال أحداث فلسطين داخليًا، وتحويلها إلى مناسبة لإعادة إشعال سجالات الحرب الأهلية ولتهديد سياسياً لبنانيًا بالقتل علنًا. فأطلق مسيرة عسكرية بفاشية مهرغلة، هدفها التذكير بوجود هذه الميليشيا القائمة على الاستفزاز والسلبطة، بعدما سلّمها حزب الله شارع الحمرا. ففي وجه سيادة فاقدة لأي معنى، ثمّة إرادة لدى البعض بتحويل المنطقة لمجرّد سلاح في خلاف داخلي، لوقود إضافي لعنف كامن.

7

باتت السيادة شعارًا فارغًا، ولكنّه يلتقط مخاوف حقيقية. والردّ على هذه المخاوف لا يمكن أن يكون بالتمسّك بسيادة تضمر عنصرية، أو بتجاهل المخاوف بإسم الالتحام بأنظمة قمعية تستغل القضايا من أجل صراعاتها الإقليمية.

أي كلام عن السيادة عليه البدء من واقع لبنان التبعي، من حقيقة أن البلد قائم على الخارج، مهما أزعج هذا الكلام البعض. فأرقام الهجرة لا تعنيها بهلوانات الكرامة الوطنية. لكن العلاقة مع الخارج لا تعني التبعية بالضرورة. فهي تعني أولًا أنّنا جزء لا يتجزأ من هذه المنطقة، وصراعات شعوبها مع أنظمتهم هي صراعاتنا. في وجه السيادة والممانعة، لا بديل من تضامن عابر للحدود، تضامن هدفه الدفاع عن لبنان مختلف عن الذي وعدنا به وكلاء الأنظمة في الداخل، على اختلاف تلاوينهم.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
فكشن

الدني بتهزّ، ما بتوقاع

عمر ليزا
37 شهيداً في عدوان يوم الثلاثاء 5 تشرين الثاني 2024
بري: المفاوضات في ملعب إسرائيل
9 غارات تستهدف الضاحية الجنوبية
تخوّف من تفخيخ جيش الاحتلال مستشفى ميس الجبل الحكومي