قضية الأسبوع إيران
ميغافون ㅤ

مسيّرات إيرانية، إبادة إسرائيلية، ممانعات عربية

20 نيسان 2024

مسيّرات فوق الشرق الأوسط

ننسّق رداً دبلوماسياً في محاولة لمنع التصعيد في المنطقة
— أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي، 15 نيسان 2024

 

تبادلنا الرسائل مع واشنطن عبر سويسرا قبل وبعد عملياتنا ضدّ إسرائيل لمنع توسيع الأزمة
— حسين أمير عبد اللهيان، وزير الخارجية الإيراني، 17 نيسان 2024

ليس سرّا أنّ تنسيقاً إيرانياً-غربياً سبق ردّ طهران على هجوم إسرائيل على القنصلية الإيرانية في دمشق. استمرّ الردّ لساعات، ما أتاح متابعته ورصده مباشرةً على الهواء، من سماء العراق إلى سوريا والأردن ولبنان، وصولاً إلى الأراضي المحتلّة. هذا الجانب «المسرحي» للردّ دفع البعض لاعتباره «مسرحية»، أي عملاً من دون أي وزن سياسي. 

لكنّ استنتاجاً كهذا يبدو متسرّعاً. 

فمهما كان حجم التنسيق المسبق، يبقى أنّ ضربة 13 نيسان هي الأولى للعمق الإسرائيلي منذ إطلاق صدّام حسين نحو 40 صاروخ «سكود» على إسرائيل عام 1991، غداة انطلاق حرب الخليج الثانية. كما هي المواجهة المباشرة الأولى لإسرائيل مع نظام أو دولة أخرى منذ أكثر من ثلاثة عقود اعتاد خلالها الإسرائيليون التفرّد بفصائل محدودة التسلّح والانتشار والقوّة، كما هي الحال مع حزب الله أو حتى فصائل المقاومة في غزّة والضفّة الغربية. بالإضافة إلى ذلك، يشكّل الردّ أول مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل، بعد عقود من حروب الوكالات المتنقّلة في الشرق الأوسط وعددٍ من الاستهدافات والاغتيالات لقادة في الحرس الثوري الإيراني، التي بقيت من دون ردّ يذكر. 

لم يشكّل الردّ مجرّد سابقة، بل تميّز أيضاً بحجمه الذي جعل منه حدثًا سياسيًا لا يمكن تجاهله. كان بوسع إيران أن تُقصِر ردّها بإطلاق صاروخَين أو ثلاثة، لكنّ طهران قرّرت استعراض قوّتها، عبر الكثافة النارية العابرة للحدود: 185 طائرة درون، 110 صواريخ أرض أرض، 36 صاروخ كروز. كلّف التصدي الإسرائيلي للهجوم أكثر من مليار دولار في حين أنّ إجمالي الديون المتراكمة على إسرائيل نتيجة عدوانها بلغ حوالي العشرين مليار دولار منذ 7 تشرين الأول.


«ممانعات» الشرق الأوسط

تراوحت ردود الفعل على الساحة العربيّة ما بين الاستخفاف المفرط بالحدث، إلى حدّ توصيفه بالمسرحيّة المتّفق عليها، والمبالغة في تقدير مفاعيله على مستوى كبح الغطرسة الإسرائيليّة في وجه الشعوب العربيّة. الرأي الأوّل، لم يرَ في الحدث أي أثر على موازين القوى الإقليميّة. أمّا الرأي الثاني، فاعتبر، من دون أي تعليل واقعي، أنّ أي عمل لإيران هو بالمبدأ لصالح الشعوب المضطهَدة. في الحالتين، كانت وجهات النظر تنطلق من مواقف مسبقة تجاه الدور الإيراني في المنطقة، من دون أن تعطي الحدث حقّه في التحليل الموضوعي على مستوى التداعيات الحقيقيّة، وكأنّ همَّها الوحيد تثبيتُ الاصطفافات الموجودة والحفاظ عليها في وجه أي حدث قد يعكّر صفاء ثنائيتها. 

فمن مفاعيل المواجهة بين إيران والخليج، تطويع السياسة لتصبح مجرّد انعكاس لهذا الاصطفاف الذي بات لديه جيوش من المعلِّقين والصحافيين والمؤثّرين الذين لا همّ لديهم إلّا تأكيد أولويّة هذا الاصطفاف على أي حدث، مهما كان ضخمًا. فالساحة العربية باتت تسيطر عليها «ممانَعتان»، تتشابهان رغم التعارض بينهما، تمانعان أي حدث جديد لكي تؤكّدا أولويّة هذه الثنائية وأصحابها. الممانعة ليست ممانعة في وجه إسرائيل أو الغرب وحسب، بل هي أيضًا ممانعة في وجه «الجديد»، وتأخذ أشكالًا مختلفة، من المقاوم الذي يرى في إيران بوصلة الشعوب المضطهَدة إلى الخبير، ببذلته الرسميّة، الذي يرى في السلام الخليجي-الإسرائيلي قمّة التطور الإنساني. 

انقسام الآراء على الساحة العربيّة، ترجمَه انقسام أداء الحكومات والقوى المسلّحة على المستوى الإقليميّ. ثمّة من انخرط صراحةً في صفّ شركاء إسرائيل الإقليميين، في التصدّي للضربة، كحال الأردن. وثمّة من هاله التصعيد وخشي على خطوط إمداد النفط، فاختار التحرّك دبلوماسيًا لضبط الوضع والحدّ من التداعيات، كحال الحكومات الخليجيّة بمختلف توجّهاتها. وثمّة من اتخذ موقع المتفرّج تاركًا سماء بلده مفتوحة للمسيرات والصواريخ الاعتراضيّة المضادة لها، كما فعلت سوريا والعراق. 


الاحتمالات السياسيّة بعد الضربة

في ضوضاء السجالات السطحيّة، غاب عن النقاش العام التداعيات المحتملة للردّ الإيراني على مسار الإبادة في غزّة، أو احتمالات الحرب الموسّعة في لبنان.

  • تُشكّل الضربة الإيرانية معادلة ردع جديدة تضع استهداف القواعد الإسرائيليّة، من قبل إيران بشكل مباشر، في مقابل الانتقاص من سيادة إيران على أراضيها ومقارّها الدبلوماسيّة. وإذا كانت إيران قد حرصت على تقليص أثر الضربة، بإرسال ما يكفي من التحذيرات والتمهيدات لتفادي حرب أوسع، فهذا لا يقلّل من شأن المعادلة الجديدة المفروضة.
  • لكنّ الضربة بحدّ ذاتها لا تبدو وكأنّها ستؤثّر مباشرةً على الحرب في غزّة أو لبنان. بخلاف ما ينتظره المحتفون بالدور الإيراني، فلم تستهدف إيران من ضربتها سوى مسائل ترتبط بأمنها الوطني، وبوصفها دولة قوميّة مأخوذة بمكانتها على مستوى الإقليم. أمّا جبهات المساندة والمشاغلة، فهي مهمّة الوكلاء، لا إيران.

في المقابل، وبعد الردّ الإسرائيلي على إيران فجرَ الجمعة، يُطرح السؤال عن تأثير الضربات الإيرانية- الإسرائيلية المتبادلة على قرارات حكومة نتنياهو بما يخصّ غزّة ولبنان.

  • أولًا، ثمّة سؤال عن مدى قدرة الحكومة الإسرائيليّة على استغلال الهجوم الإيراني، لتسهيل المضي قدمًا بعمليّة اجتياح منطقة رفح، آخر التكتلات السكنيّة الكبرى التي كانت بمنأى عن العمليّة البريّة. فتحويل الأنظار باتجاه احتمالات الحرب الإقليميّة واسعة النطاق، وتصوير إسرائيل بموقع الضحيّة، يمثّلان سلاحًا إعلاميًا قد يستعمله نتنياهو للقيام بهذه الخطّة، بعدما اتفق مع الجيش على معالمها الرئيسيّة هذا الأسبوع. وبالاتجاه ذاته، ثمّة تحليلات ومعلومات تشير إلى مقايضة قد تسمح لإسرائيل بأخذ الضوء الأخضر الغربي، وخصوصًا الأميركي، للقيام بالعمليّة البريّة في رفح، في مقابل ردّها على العمليّة الإيرانيّة الذي جاء بطريقة خفيفة تنهي عمليًا دورة الفعل وردة الفعل.
  • لكن في المقابل، ثمّة متغيّر ثالث قد يدفع بالاتجاه المُعاكس تمامًا. فلجوء إسرائيل إلى مظلّة الحماية العسكريّة الغربيّة، لصدّ الهجوم الإيراني، أضعفَ الموقف التفاوضي للحكومة الإسرائيليّة في وجه الشركاء الغربيين، خاصة أنّ ضغوط الإدارة الأميركيّة على نتنياهو كانت آخر ما يحول دون عملية رفح. ثمّة مؤشّرات تدلّ على إمكانيّة تقليص نطاق العمليّة البريّة أو فرض تأجيلها، بفعل هذا العامل بالتحديد. وبفعل العامل نفسه، باتت الدول الغربيّة، وخصوصًا فرنسا، تملك المزيد من الأوراق للضغط على نتنياهو للحدّ من توسيع العمليّات العسكريّة على الساحة اللبنانيّة.

تأثير هذه العوامل والمتغيّرات المتشابكة، قد لا يظهر قبل أيّام عديدة. غير أنّ معظم وسائل الإعلام الإسرائيليّة بدأت الحديث عن قرب موعد عمليّة رفح وتحديد موعدها، من دون أن يتبيّن حتّى هذه اللحظة الموقف الأميركي من آخر الخطط التي أقرّها الجيش الإسرائيلي لهذه الغاية هذا الأسبوع. 

بات هناك معركة فلسطين التي يخوضها الفلسطينيّون في الضفّة وغزّة، ومن فوقها، معركة إقليمية حول النفوذ. قد تتقاطع المصالح في لحظات، لكنّ هذا لا ينفي أنّهما حربان بمنطقَيْن مختلفَيْن.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
الاتحاد الأوروبي: قرار المحكمة الجنائية مُلزِم لكلّ دول الاتحاد
مقتل باحث إسرائيلي كان يبحث عن «أرض إسرائيل» في جنوب لبنان
قتيل بصواريخ حزب الله على نهاريا 
 أعنف هجوم إسرائيلي على الأراضي السورية أكثر من 68 قتيلاً في غارات تدمُر