قضية الأسبوع إيران
ميغافون ㅤ

إيران: حماية مركز المحور على حساب أطرافه 

6 تشرين الأول 2024

ضربة، فخطبة، ومن بعدها زيارة

بينما كان الجميع يراقب التطورات في لبنان، اشتعلت سماء إسرائيل بمئات الصواريخ الآتية من إيران. لم يغيّر هذا المشهد المعادلة العسكرية، لكنّه كسر الاندفاعة الإسرائيلية المحمولة بإنجازاتها الأمنية في الأسابيع الأخيرة وأعاد إيران إلى الواجهة بعد الانتكاسات الأمنيّة التي طالت حليفها اللبناني خلال الأسبوعين الماضيين والخروقات الأمنية على أراضيها. غير أنّ الردّ كان واضحًا بأبعاده. فالنظام الإيراني لم يضع العمليّة في إطار أي ضغط متصاعد سيفضي إلى تخفيف الضغط عن الجبهة اللبنانيّة أو فرض تسوية للحرب هناك. وهو لم يَعِد بمتابعة هجومه لاحقاً، بل اقتصر سقف العمليّة على الأخذ بالثأر الذي وعد به مرشد النظام، بعيد اغتيال اسماعيل هنيّة، بينما أضاف بيان الحرس الثوري ذكر حسن نصر الله وعباس نيلفروشان لإعطاء رمزيّة أكبر للعمليّة. لإيران حساباتها التي تحكّمت بإيقاع الردّ.

بعدها ببضعة أيام، أطّل مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران، علي خامنئي، في خطبة الجمعة ليؤكّد أن الدفاع المستميت للشعب اللبناني عن الشعب الفلسطيني هو شرعي وقانوني، ولا يحق لأيّ أحد أن ينتقد دفاعه الإسنادي عن غزّة. أعاد مرشد الثورة ربط ساحتَيْ لبنان وغزّة ببعضهما بعضاً، لينسف اقتراحات الحلول المنفردة التي كانت متداولة خلال الأسبوع. وإن لم يكن كلام المرشد واضحًا، زار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بيروت، متحدّيًا الحظر الإسرائيلي، ليؤكّد دعم المساعي الرامية لوقف إطلاق النار، شرط مراعاة حقوق الشعب اللبناني، وأن تكون مقبولة من قبل المقاومة، وأن يكون متزامناً مع وقف لإطلاق النار في غزة. غزّة وبيروت مترابطتان، لا وقف لإطلاق النار في واحدة دون الأخرى، لكنّ طهران تردّ على إيقاع حربها الخاصة. هذا مفاد الأسبوع الإيراني الطويل. 


مركز المحور وساحاته

جاء الأسبوع الإيراني بعد تصاعد السجالات لبنانيًا عن دور إيران و«بيعها» لحزب الله على مذبح صفقاتها النووية. فوجد المتحمّسون أنّ الحرس الثوري أحبط مزاعم الذين روّجوا أنّ إيران باعت الحزب، من خلال العمليّة التي كانت أوسع نطاقاً من عمليّة «الوعد الصادق» في شهر نيسان الماضي. كما رأوا بخطبة خامنئي وزيارة عراقجي تأكيدًا عن وحدة المحور ودعمه للمقاومات في أطرافه. وعلى العكس تماماً، وجد خصوم النظام الإيراني الفرصة سانحة للتصويب مجدداً على شكليّة الرد الإيراني، الذي لم يُفضِ إلى خسائر جديّة. هكذا، أعاد الحدث خلق الاستقطاب نفسه، بين من يجد هذه المواجهة مسرحيّة لحفظ ماء الوجه، وبين من يرى هذه التدخّلات فعلاً مقاوماً يُسند حلفاء النظام في لبنان، أو ينتقم لمصابهم على الأقل.

لكنّ المواقف الإيرانية كانت واضحة، ولم تقع على أيٍّ من ضفّتَيّ السجال اللبناني. كان واضحًا أنّه لا يوجد ما يربط الردّ الإيراني بالجبهة اللبنانيّة وتطوّراتها، بل هو نابع من المصالح القوميّة الإيرانيّة، ومفادها أنّ المسّ بالسيادة يقابله فعل مماثل. في حسابات الأمن القومي الإيراني، لم يكن من الممكن تجاوز عمليّة عدائيّة جرت على الأراضي الإيرانيّة ومن بعدها عملية اغتيال نصرالله، من دون تثبيت معادلة رادعة مع إسرائيل. وإذا كانت إيران قد برّرت تأخير الردّ بانتظار صفقة الهدنة في غزّة، فالتصعيد على الجبهة اللبنانيّة لم يترك أي مبرّر لهذا التأخير. وبهذا المعنى، ثمّة حقيقة لا يمكن تجاهلها: لقد وضعت إيران قواعد عسكريّة إسرائيليّة أساسيّة تحت مرماها، ونجحت في إصابتها، وتخطّت في ذلك الدفاعات الجويّة التي تتباهى بها تل أبيب. في حسابات الأمن والدفاع، حمل هذا الردّ رسائل واضحة لا يمكن تجاهلها، وإن لم يُنتج- وهذا مقصود طبعاً- خسائر بشريّة في صفوف الإسرائيليين. 

لكنّ جديّة الردّ الإيراني لا تعني توحيد الساحات أو اختفاء التراتبية في ظل المحور الواحد. فبعد توضيح حدود الردّ الصاروخي من قبل النظام الإيراني وعدم ربطه بمجريات لبنان أو غزة، جاء تصريحا مرشد الجمهورية ووزير خارجيته ليؤكّدا أنّ التفاوض على مصير الساحات، على الأقلّ اللبنانية منها، ما زال تحت سيطرتهم. لمركز المحور معركته، والتي يقودها حسب مصالحه القومية، أمّا الساحات، فباتت معارك إسناد في لحظة التوتر الإقليمي. المحور لم «يبِع» حزب الله، لكنّه لن يضحّي بمصالحه دفاعًا عنه. 


البراغماتيّة في لحظة الانفجار

هذا الموقف «البراغماتي» ليس جديدًا، بل يمكن رصده منذ أوّل أيّام الحرب على غزّة، وعلى وقع تصريحات وزير الخارجيّة الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان. سارعت إيران إلى حجز مكانها على طاولة التفاوض، مستفيدةً من اندفاع حلفائها في جبهات المساندة لفتح النار على إسرائيل. كان تدخّل الحلفاء حصّة إيران في هذه الحرب، وكان تهديد عبد اللهيان المستمرّ بـ«اتساع رقعة الحرب»، والتلويح الضمني بالانخراط فيها، أوراق طهران في تلك المعادلة.

حين وجدت إيران أن معادلة تهديد القواعد الأميركيّة في العراق مضرّة بصيغة تقاسم النفوذ في ذلك البلد، والمُعبّر عنه بالحكومة العراقيّة الحاليّة، سارع الحرس الثوري بنفسه لكبح جماح ما يُعرف بالمقاومة العراقيّة. وحين وجدت أنّ نتنياهو لم يرتدع من فكرة «توسيع رقعة الحرب»، بل أرادها، بما تعنيه من إمكانيّة انخراط إيران فيها، سارع عبد اللهيان نفسه إلى تقزيم المُراد من هذا الشعار، عبر القول إنّ الحرب قد اتّسعت أصلاً.

بعد مصرع عبد اللهيان ورئيسي في حادث الطائرة المروحية، شهدت إيران انعطافة جذريّة في السياسة الخارجيّة: جاء إلى الرئاسة إصلاحيٌّ ملهمُه الأوّل محمّد جواد ظريف، مهندس الاتفاق النووي السابق والحالم بتجديده. كان ذلك «خيار الشعب الإيراني» وفق انتخابات عامّة على دورتين، لكنّ نحتَ الصورة الانتخابيّة، عبر موافقة مجلس صيانة الدستور على المرشّحين، لم يكن ليتمّ من دون موافقة المرشد. بهذا الشكل، كانت الانعطافة تعبيراً عن تغيُّر ما في أولويّات النظام، أو ربما في التوازنات الداخليّة فيه. لكنّها لم تكن انقلاباً من خارجه.

تطبّع أداء النظام الإيراني بهويّة الفريق الحاكم الجديد، تحت ظلّ المرشد الذي لم يمانع وجود «تراجع تكتيكيّ» محدود. كان من البديهيّ أن تُبدي إيران مرونةً أكثر نحو الغرب، ولو تطلّب ذلك تأخير الردّ على اغتيال هنيّة، اعتمادًا على وعود أميركيّة بصفقةٍ ما تُنهي حرب غزّة ومسار الملفّ النووي. 


وحدة الساحات معكوسةً

في كلّ ذلك، إيران لم «تَبِع» حزب الله. لكنّها لن تضّحي بمصالحها من أجله. وأبعد من ذلك، ستفاوض بإسمه، وإسمنا، حسب معطياتها هي. فهي تطلّ على المنطقة بعيون نظامها ودولتها ومصلحتها القوميّة. ويطلّ عليها حزب الله كفصيل في دولة «قُطريّة» ممزّقة ومنهكة. ما من بيع أو شراء، بل مجرّد علاقة مركز المحور مع أطرافه، أطراف ربّما تمزّقت من أجل الاستمرار بلعب دورها في المحور. وهنا تتّضح بالنسبة لحزب الله كلفة إهمال الاستحقاقات المتعلّقة ببناء الدولة الوطنيّة، كما الاتكال على محور أو آخر لحماية سيادة باتت كل يوم أقرب إلى وهم من أي شيء آخر. 

لقد اضطرّ المركز للرضوخ لتمزُّق بعض أطرافه، علّه يُنقذ نفسه. لكنّ حروب نتنياهو قد لا تقبل بالوقوف عند هذا الحدّ، ما دام الضوء الأخضر العالميّ يتيح له المضيّ قُدُماً في سفك الدماء حتّى تتحقّق الأرضيّة لـ«خريطة النعمة» التي رفعها في الأمم المتّحدة. عندها، قد تتحقّق «وحدة الساحات»، لا كما روّجت لها إيران لفظيّاً، بل كما يحاول نتنياهو أن يفرضها بالحديد والنار. فهل يتحمّل نتنياهو جبهةً أخرى، أم ينجو المركز الإيراني من دون أطرافه؟ 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
37 شهيداً في عدوان يوم الثلاثاء 5 تشرين الثاني 2024
بري: المفاوضات في ملعب إسرائيل
9 غارات تستهدف الضاحية الجنوبية
تخوّف من تفخيخ جيش الاحتلال مستشفى ميس الجبل الحكومي 
حدث اليوم - الأربعاء 6 تشرين الثاني 2024
06-11-2024
أخبار
حدث اليوم - الأربعاء 6 تشرين الثاني 2024