نقد الحكومة
علي هاشم

يستحقّون هذا الذُّلّ

12 أيلول 2020

ما عُرف حتّى اللحظة من مسار تشكيل الحكومة، هو أنّ رئيس الحكومة المكلّف قابل «الخليلَيْن» في اجتماع يتيم، دوّن فيه ملاحظاتهما وغادر واعداً بأخذها في الاعتبار. رئيس الجمهوريّة أحال الرئيس المكلّف إلى الوزير باسيل للتفاهم على شكل الحكومة والحصص، لكنّ هاتف باسيل حتّى اللحظة لم يرن، ولا يبدو أنّه سيرنّ خلال الأيام المقبلة. الحريري يتصرّف وكأنّه غير معني بتفاصيل الملف، ربما لكونه بات ملجوماً بفيتو سعودي لا يسمح له بالانخراط في التسوية الجديدة إلى حدّ بعيد، دون أن يعني ذلك سحب «البركة السنيّة» التي أعطاها نادي رؤساء الحكومة السابقين لرئيس الحكومة المكلّف.

مع كل ذلك، يتردّد اليوم أنّ مصطفى أديب يُعدّ التشكيلة الحكوميّة التي باتت على وشك الظهور في مطلع الأسبوع القادم. وعند تلك النقطة، لن يكون بإمكان القوى السياسيّة سوى الموافقة عليها، أو حجب الثقة، مع كل ما يعنيه ذلك من سيناريوهات مشؤومة في حال فشل المبادرة الفرنسيّة، ونزع الغطاء الدولي بشكل كامل عن مسار تشكيل الحكومة الجديدة.

أمام هذه الصورة، لم يجد أقطاب السلطة خياراً سوى إرسال رجل تسويات اللحظة الأخيرة، اللواء عباس إبراهيم، إلى مربط خيل الحكومة الجديدة: فرنسا، وتحديداً مدير المخابرات الخارجيّة برنار إيمييه المكلّف من قبل الرئيس الفرنسي متابعة ملف التشكيل.

ما طلبه «رجال الدولة» اللبنانيون من إيمييه لم يتركّز حول برنامج عمل الحكومة أو هويّتها أو أجندتها كما يُفترض أن يكون الحال أمام خطورة المرحلة، بل حول أمور أخرى: تمسّك رئيس المجلس النيابي بوزراة المال والتوقيع الشيعي الثالث، ورغبة رئيس الجمهوريّة بتسمية بعض الوزراء المسيحيين من المحسوبين عليه، وتمديد مهلة التشكيل للوقوف عند خاطر جبران باسيل الذي لم يسرّه الدور الهامشي الذي يلعبه في عمليّة التشكيل.

المعلومات التي تسرّبت عن مبادرة إبراهيم، لا توحي بليونة برنار إيمييه تجاه أي من المطالب التي جرى طرحها أمامه. بالتأكيد، ينطلق التصلّب الفرنسي اليوم من الأثر الضاغط الذي تركته العقوبات الأميركيّة الأخيرة على جميع أقطاب الحكم المتحالفين مع حزب الله، بمعزل عن أهداف تلك العقوبات الأساسيّة. فلا أحد من المستفيدين من شبكات مصالح السلطة، بما فيها تلك التي تدور في فلك الحزب، يرغب اليوم بالدخول إلى قائمة سوداء تضعه في مصاف الممنوعين من الولوج إلى النظام المالي العالمي.

يعيدنا هذا المشهد إلى مرحلة ما قبل الـ2005، يوم كانت صالونات الانتظار تعج بالزوّار في عنجر على أعتاب تشكيل الحكومات، ليتسوّل الزائرون وزارةً من هنا، وصفقة من مشاريع الحكومة القادمة من هناك. أيام عنجر، كان السيف المصلت على رقاب «رجال الدولة» هو جيش الوصاية ومخابراتها وأجهزة أمنية لبنانيّة مستتبَعة للأجهزة الأمنيّة الشقيقة، وتفاهمات عقدوها جميعاً مع هذا الوجود الأمني والعسكري.

في أيامنا هذه، يتجسّد هذا السيف المصلت في احتمالات السقوط المالي الأخير، أي في اللحظة التي لن تمتلك البلاد فيها القدرة على استيراد الدواء والمحروقات، وهي لحظة قد تأتي خلال فترة تقلّ عن ثلاثة أشهر. يتجسّد أيضاً في حاجة السياسيين إلى عقد التفاهمات مع طرف خارجي يأخذ ما يريده من مصالح، مقابل منحهم غطاء دولياً يسمح بإنقاذ المنظومة السياسيّة والاقتصاديّة. أما السيف الآخر، فليس سوى سيف العقوبات الأميركيّة المستجد، والذي قد يتبعه حكماً سيف عقوبات أوروبي لمن لا يتجاوب لاحقاً مع مبادرة ماكرون.

في الزمانين، أيام عنجر وأيام برنار إيمييه، لا يوجد سبب للتفاؤل بأطراف خارجيّة تعيد تعويم طبقة فاسدة من الحكّام، في مقابل مصالح سياسيّة أو اقتصاديّة. لكن في الوقت نفسه، لا يمكن المشاهد إلا أن يرى جدارة رجال الدولة واستحقاقهم لهذا الإذلال بعد كلّ ما اقترفت أيديهم: في كونهم مستتبَعين بمصالحهم ونفوذهم لهذه التدخلات الخارجيّة، وفي استجدائهم لمراكز النفوذ في مسار تشكيل الحكومة في العواصم الخارجيّة.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
إسرائيل تدمّر مبنى المنشية الأثري في بعلبك
جماهير «باريس سان جيرمان»: الحريّة لفلسطين
مطار بيروت يعمل بشكل طبيعي
فكشن

الدني بتهزّ، ما بتوقاع

عمر ليزا
37 شهيداً في عدوان يوم الثلاثاء 5 تشرين الثاني 2024