قضية الأسبوع الحرب على لبنان
ميغافون ㅤ

خطّة الطوارئ كذبة

أولويّات الحكومة في زمن الحرب

25 أيلول 2024

كارثة متوقعة

مشاهد النزوح تصدم. تصدم بقسوتها وتصدم بالمآسي التي تحملها وتصدم بالذكريات الأليمة التي تردّنا إليها. لكنّ هذه المشاهد تصدم بالضبط لأنّها كانت متوقّعة. وإن كان لا يمكن تفاديها ربّما، فقد كان من الممكن تفادي جزء من معاناتها، لو استدركت الحكومة الأمر بعض الشيء. نحن لسنا في 2006 أو 1996 أو 1993. لم يتفاجأ أحد بالحرب التي بات عمرها 11 شهراً. وعلى مدار هذه الأشهر، لم تضع الحكومة خطة طوارئ أو تصوراً بدائياً عما يمكن فعله لحظة اندلاع هذه الحرب المعلنة. حتى بعد تصاعد وتيرة الاقتتال، بقيت الحكومة غائبة عن السمع، وكأنّها غير معنية بتاتاً. ربّما كان ذلك، في نظرها، من مسؤولية حزب الله. 

انتظرت الحكومة، وانتظرت. كما تنتظر كلّ عام «الشتوة الأولى» لتكتشف الفيضانات على الطرقات. تماماً كما لا تتغيّر الفصول، لا يتغيّر سلوك الحكومة. لكن، هذه المرّة، لم تمطر السماء ماءً، بل أمطرت شرّاً ودماء. كان لا بدّ من وقوع الكارثة، حتى تتكاثر غرف الطوارئ والأرقام الساخنة وبيانات الوزارات. كلّ ذلك جاء متأخرًا. الحكومة والأجهزة الرسمية، كما دائماً، خارج السمع وخارج الصورة.


فشلٌ حكوميٌّ يُضاف إلى سجلّ حافل بالفشل

كان واضحًا فشل اللا-خطة الحكومية على أربعة مستويات.

فوضى الإجلاء: لم يكن هناك أي خطة لإجلاء سكّان المناطق المستهدفة. تُرِك الناس على الطرقات من دون أي تنظيم أو إرشادات ليجدوا طريقهم نحو الأمان. بقي بعضهم أكثر من 15 ساعة ليصل من الجنوب إلى بيروت. ولم يعرف بعضهم الآخر إلى أين عليه التوجّه، في ظلّ الصمت الرسميّ حول ما يجري. بهذا الشكل، غابت عن المشهد البديهيّات التي يُفترَض أن تقوم بها أي سلطة في حالة حرب: كتحديد الممرّات الآمنة بشكل مسبق، وتوزيع حركة السير لضمان الإجلاء السريع والمنظّم.

استنسابيّة المدارس: المدارس التي فتحت أبوابها لاستقبال النازحين، فعلت ذلك بمبادرات محليّة. وكانت خالية من أيٍّ من المقوّمات الأساسية لاستقبال النازحين. أما باقي المدارس، فانتظرت قراراً حكومياً تأخّر أيامًا، تاركًا الناس في بعض الحالات في الشوارع وعلى الشواطئ. وبكل الأحوال، لم تؤمّن الحكومة الأساسيات لتلك المدارس لكي تقوم بدورها الجديد. وحتّى كتابة هذه السطور، كانت المستلزمات الرئيسيّة لفتح المدارس قد تأمّنت من المبادرات المحليّة والفرديّة، بما في ذلك تأمين الطعام والمياه.

انقطاع الأساسيات: انقطع من الأسواق عدد من المواد الأساسية كحليب الأطفال والأدوية والخبز في الأيام الأولى من العدوان الموسّع، تحت ضغط الطلب المتزايد عليها. لم يكن هناك أي محاولة للحكومة لتقديم هذه الحاجات الأوليّة أو حتى محاولة إدارة عمليّة توزيعها. مع الإشارة إلى أنّ حالة الحرب تفرض بشكل بديهي تنظيم مسألة سلاسل التوريد، وخصوصًا عند تضاعف عدد السكّان في مناطق معيّنة بفعل النزوح، في مقابل محدوديّة المُؤن المتوفّرة في الصيدليّات والمحال التجاريّة.

التلاعب بالإيجارات: البيوت التي عُرضت للايجار غالبًا ما جاءت بأضعاف الكلفة الطبيعيّة، ولم يكن هناك أي رقابة لتحدّ من هذه الممارسة. كما لم يكن هناك أيّ مسح أو جردة مسبقة لتلك المنازل، ما خلق حالة من الفوضى والبحث العبثي عن مكان للسكن. 


ليس فشلاً، بل أولويّاتٌ مختلفة

تتحجّج الحكومة، كما مع كل استحقاق شبيه، بانعدام الإمكانيات، أكانت بشرية أو مادية. لكنّ المسألة غير دقيقة. ففي الوقت ذاته التي يهجَّر فيه نصف الشعب اللبناني، اجتمعت الحكومة لتقرّ ميزانية كانت قد تأخرت لأشهر، كما رفعت سعر رغيف الخبز على أناس فقدوا كل شيء. أولويات الحكومة ليست الاهتمام بشعب نازح، وهذا ما يتأكد عندما ننظر إلى حسابات الدولة بمصرف لبنان، والتي بلغت حوالي الـ5.7 مليار دولار من أموال الضرائب، والتي لم يُستعمَل حتى جزء صغير منها لتمويل خطة الطوارئ. فيبدو أنّ الحفاظ على هذا الرصيد تنفيذاً لسياسات مالية فاشلة، هو أهمّ من العناية بالنازحين وتأمين أساسيات عيشهم في ظل الحرب. كان المطلوب من مراكمة هذه الأموال في مصرف لبنان، هو وضع تجربة عمليّة يمكن البناء عليها لاحقاً، في عمليّة إطفاء الخسائر المصرفيّة على حساب دافعي الضرائب. وفي مقابل الحرص على تنفيذ هذا المخطّط، حتّى في حالة الحرب، لا يبدو أن الحكومة قد وضعت أي موارد ماليّة لتغطية كلفة خطّة الطوارئ، رغم مرور 11 شهرًا على بدء المواجهات في الجنوب.


نظام رَيْعيّ حتى في الحرب

بدل الحكومة، جاء خط الدفاع الأول من أفراد ومنظمات غير حكومية وأهلية وأحزاب أخذت على عاتقها تنظيم استقبال النازحين. فمن خلال مبادرات فردية، قامت شبكات تعاضد مجتمعية بتأمين الحد الأدنى من الحاجات ومحاولة تنظيم الموجة الأولى من النزوح. وهذا ليس بجديد. فبعد انفجار المرفأ، لم يجد المجتمع إلّا ذاته للعناية بالأكثر تضرّرًا، بينما كانت الحكومة والقوى الأمنية تتفرج وتنتظر المساعدات. وكأن الحكومة سلّمت، أو فرضت، مسؤولية الرعاية الاجتماعية إلى أفراد لم يطلبوا هذا الدور، لكي تحافظ هي على مواردها التي، للتذكير، تأتي من الضرائب المستحدَثة. 

فلنقارن هذا السلوك بما يحدث على الضفّة الأخرى، هناك عند العدوّ الذي يقصفنا. فلنقارن كيف يُترَك الناس هنا للصدفة، فيما يتلقّى المستوطنون تعليمات دوريّة عمّا ينبغي أن يفعلوه، والاحتياطات الواجب اتّخاذها، وأيّ درجة من الطوارئ يعيشون، ساعةً بساعة. 

الجريمة هنا مزدوجة. هي جريمة أولًا بحق النازحين الذين تركتهم الحكومة ليواجهوا الموت والمآسي لوحدهم، لولا مساعدة أفراد ومنظمات تطوّعوا لكي يملأوا الفراغ. وهي جريمة بحق أي مستقبل لهذا البلد من خلال الإمعان في تفتيت أي روابط غير حزبية أو طائفية يمكن أن تجمعنا. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
مطار بيروت يعمل بشكل طبيعي
فكشن

الدني بتهزّ، ما بتوقاع

عمر ليزا
37 شهيداً في عدوان يوم الثلاثاء 5 تشرين الثاني 2024
بري: المفاوضات في ملعب إسرائيل
9 غارات تستهدف الضاحية الجنوبية