يوميات
سلسلة
الحرب على لبنان
عمر ليزا

رينو

ورقة، قلم، طائرة (3)

3 تشرين الثاني 2024

بعدما انهال الإسرائيليون بالقصف على السوق ومعظم أبنية القرية، بدأوا باستهداف البيوت.

اقتنع أبي أخيراً بضرورة الإخلاء. بعدما راقب الميدان من بلكون البيت قال لي: شو قولك؟ منحكي أبو علي؟  

أجبته بتهكّم: بكّير. كان أبو علي سائق التاكسي الوحيد في قريتنا— وعلى عكس تكاسي المدينة— عندما ضربوا القرية، قام بإخلاء الجميع تحت القصف ومن دون مقابل. اتّصل به أبي وبلّغنا أمّي وأختي أننا قادمان. لم يكن هناك صوت سوى صوت الزنّانة المتقطّع في الحي لمّا بدأت سيّارة أبو علي تهدر على أوّل المفرق. مرسيدس تسعينيّة سوداء، الموديل الأقدم من الشبح، رصاصيّة اللون مع لوحة برقم مميّز: سبع سبعات. ركن السيارة في ظلّ الزيتونة ونزل منها فارتفَعَت حوالي نصف متر. لم يكن أبو علي سميناً ولا حتّى كان عنده كرش، لكنّه كان عريضاً وطويلاً، متر بمترين. سحب علبة دخّان من جيب قميصه والتفت صوب البلكون فرآني.

- وينه بيّك؟ يلا معناش كلّ النهار.
- أنا منيح إنت كيف؟

تبسّم أبو علي وأشعل سيجارته. ناديت أبي، حمّلنا الحقائب، وانطلقنا.
طمأننا أبو علي بأنّ الطريق آمنة و قصيرة وهذا هو مشواره الخامس اليوم، «بس ما بتعرف».

بمجرّد ما انطلقنا غلبني النعاس. ربّما اطمَأنَّ جسمي مؤقّتاً وسمح لي بالاسترخاء لدقائق. ألقيتُ رأسي إلى الوراء وأغمضت عينيّ. وجدتُ نفسي طفلاً مع جدّتي أساعدها في تحضير مونة الشتاء المقبل. أعطتني ملعقةَ الخشب لأكمل تحريك قدر البندورة ونادت على خالي فلم يُجبها. وقفت جدّتي، أطفأت النار تحت القدر، حملتني على ذراعها وغادرنا المنزل. راحت تجول في الشوارع بحثاً عن خالي من دون أن تجده. بدأ الطيران الإسرائيلي يحوم فوقنا وحلّ الظلام في دقائق. القرية خالية ولكن جدّتي كانت تستوقف أشخاصاً غير موجودين وتسألهم عن خالي. بدأَتْ تتعب من حملها لي وتباطأت مشيتها حتّى أصبحت تجرّني جرًّا في شوارع موحلة لقريةٍ ما عدت أتعرّف على ملامحها. توقّفت جدّتي عن المشي عندما وصلنا إلى مدخل القرية حيث موقع الحاجز الإسرائيلي. كانوا يبعدون عنّا نحو مئة مترٍ ولكنّني رأيتُ وسمعتُ كلّ شيءٍ كأنّني هناك، بينهم، أفهم العبرية من خلال الترجمة في أسفل الشاشة. تجمهر الجنود للاحتفال بعيدِ ميلاد قائد الثكنة وتجمّعوا في وسط الطريق حيث أقاموا طاولةً وزيّنوا الحاجز بالأعلام الإسرائيلية وصوَر قائد الثكنة وشارون. نظرتُ إلى جدّتي مستفسراً فبانت على وجهها ابتسامةٌ عريضة ولمعت عيناها. لم أفهم ما كانت تعنيه إلّا عندما مرّ خالي كالسهم جنبنا بسيّارة رينو، متّجهاً إلى وسط الاحتفال.

- يا تقبرني.

حملتني جدّتي بكلتا يديها ورفعتني عالياً. رآنا خالي في مرآته الجانبية وضغط الزرّ.
انفجر الحاجز والثكنة وكلّ من كان فيها، ولمّا وصَلَنا الصوت، استيقظتُ في المقعد الخلفي لسيّارة أبو علي.

- شو هيدا؟ قصف؟ سأله أبي.
- ايه عم يقرّبوا… يلّا صرنا واصلين احكي سعاد قلّها دقيقتين منوصل، بركي سمعت الصوت هلّق تقوم تعتل همّ.

اتّصل أبي بأمّي وأبلغها أنّنا بأمان. أرسل لي جاري صورة بيتنا المقصوف.
وصلنا من طريق فرعيّة إلى مخرج القرية القديم، مدّ أبو علي إصبعه من الشباك ونظر صوبي في المرآة:

- هون استشهد خالك.
- بعرف.

سلسلة

الحرب على لبنان

«ورقة، قلم، طائرة»، سلسلة يعدّها عمر ليزا، بحثاً عن شكلٍ مغاير لبعض الأخبار المتداولة في ظلّ الحرب.

بالحرب الحشري ربحان | فكشن
أرى نفسي في مرآة المصعد كل يوم | يوميات
انشالله بتتهنّوا | يوميات
الحدود | فكشن
الدني بتهزّ، ما بتوقاع | فكشن
الريّس كميل | فكشن
عدنا؟ | فكشن

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
الاحتلال يجرف بساتين الليمون في الناقورة
سينما متروبوليس تعود
الجيش اللبناني تسلّم 3 مواقع عسكرية لمنظّمات فلسطينيّة دعمها الأسد
«ريشة وطن»، جداريات سوريا الجديدة 
21-12-2024
تقرير
«ريشة وطن»، جداريات سوريا الجديدة 
قتلى في حادث دهس لسوق ميلادي في ألمانيا
هكذا حرّر السوريّون أنفسهم من نظام الأسد
21-12-2024
تقرير
هكذا حرّر السوريّون أنفسهم من نظام الأسد